القضية الثانية: أن مهمة الإصلاح التي نستهدفها ويجب أن يستهدفها جميع المخلصين، ليست مقصورة على بلد بعينه ولا على مجال بخصوصه، بل ينبغي أن نستهدف العمل على إصلاح الأمة في كل مكان بقدر المستطاع، سواء في الجوانب العلمية، أو في الجوانب العملية.
هذه المهمة ينبغي أن ينتدب لها أقوام من بيننا نذروا أنفسهم لهذه المهمة وصبروا عليها، ونحن نعتقد أن جزءً من مسئوليتنا يتمثل في مخاطبة الأمة كلها، بقضاياها العامة، والوقوف مع المسلمين في ملماتهم ومصائبهم ونكباتهم، وتعريف إخوانهم المسلمين بقضاياهم، والعمل على إحياء معاني الأخوة الدينية بين المسلمين، وإزالة جميع المظاهر السيئة من حياتهم أو تفكيرهم.
هذا هدف عام، وهو يتطلب حضوراً علمياً حقيقياً في نوادي المسلمين وأماكنهم وتجمعاتهم وعقولهم بقدر المستطاع، وبقدر ما تسمح به الآلة الإعلامية التي يملكها دعاة الإسلام اليوم.
نحن نعيش مع إخواننا المسلمين في الصومال أو البوسنة أو طاجكستان أو مصر أو بلاد الشاموفلسطين وغيرها كأننا معهم لحظة لحظة، وساعة ساعة، ونعتبر أن هذا جزء من مسئوليتنا، وأنه خيانة للأخوة الدينية أن نتخلى عنهم أو نتركهم ونسلمهم لعدوهم، أو نهمل شئونهم وقضاياهم، وإذا لم نستطع أن نمد لهم يد العون، فلا أقل من أن نلقي الضوء على قضيتهم، أو نتحدث عنهم ولو بكلمة طيبة تداوي جراحهم، وتهدئ مشاعرهم، وتشعرهم بأن هناك من إخوانهم المسلمين من على الأقل يسمع صياحهم ويتأثر بذلك، ويحزن لهم، ويعبر عن شعوره تجاه قضاياهم وأزماتهم ومشكلاتهم.
وبحمد الله تعالى تحقق من ذلك شيء كثير، ونحمد الله عليه، ونسأله المزيد من فضله، كما أسأل الله تعالى أن يأتي اليوم الذي يتمكن فيه دعاة الإسلام من أن يزوروا إخوانهم ويجلسوا بين أظهرهم، ويحادثوهم ويتعرفوا على مشكلاتهم عن كثب فيساعدوهم في حلها مساعدة مباشرة حتى تتحقق الأخوة الدينية الشرعية بين المسلمين في كل مكان، كما قال الله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ} [التوبة:71] نسأل الله تعالى أن يجعلنا من هؤلاء.
إذاً ليست قضيتنا محلية أو خاصة، أو إقليمية، بل قضيتنا هي قضية كل مسلم في الصين أو السند أو الهند أو كشمير أو في بنجلادش أو الأكراد أو العراق أو تركيا أو الجزائر أو تونس أو مصر أو فلسطين أو بلاد الشام أو بلاد أفغانستان أو طاجكستان أو قضية المسلمين في أوروبا أو أمريكا أو في روسيا أو في أي مكان من الأرض، فمفهوم الوطن عندنا شمل واتسع: ولست أدري سوى الإسلام لي وطناً الشام فيه ووادي النيل سيانِ وحيث ما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطانِ فقضيتنا قضية الإسلام والمسلمين في كل مكان، وينبغي أن تزول فكرة الحواجز والحدود والسدود والموانع التي جعلت المسلم لا ينتصر لأخيه أو لا يسمع صوته، أو لا يستجيب ولا يتجاوب معه، أو لا ينصره ظالماً أو مظلوماً كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا فقضيتنا كبيرة، وهذا الأمر الذي قد يدار أحياناً هو شيء يسير بالنسبة لما نتعاطاه، ولما ننظر إليه، فنحن ننظر للخريطة الإسلامية، بشكلها الشامل فنشعر بأن الأمر يتطلب إنقاذاً مباشراً.
هناك حرائق تشب في كل مكان تتطلب إطفاءً، وينبغي أن يتصدى لها ولو نفر قليل بقدر الإمكان، وإن كنا نعرف أن هذه الأمور قد تكون أكبر مني ومنك، ولكن مع ذلك يبارك الله في الجهد اليسير، والله تعالى لا يكلفنا إلا ما نستطيعه، فقضيتنا ليست قضية دولة أو بلد أو وطن أو منطقة، مع أن هذا البلد من لب بلاد المسلمين، وهو بلد تشرئب إليه أعناق المسلمين في كل مكان ويتطلعون إليه، ولعل من هذا المنطلق ما يحظى به صوت الدعوة من تقبل واستجابة من المسلمين في بلاد كثيرة من بلاد المسلمين ومن غيرها، وأسأل الله تعالى أن يجعل ذلك العمل خالصاً لوجه الكريم، وأن يأذن بتوحيد كلمة المسلمين على الحق وأن يزول ما بينهم من تباعد أو تطاحن أو تباغض، ويعودوا كما أمرهم الله تعالى أمة واحدة، متعاونة على البر والتقوى، ما يصيب قريبها يصيب بعيدها، والألم الذي ينزل بمسلم عادي في أي بلد يشعر به أخوه المسلم مهما شطت به الديار ونأى به المزار، لا تحول المسافات المكانية ولا الزمانية دون إحساسه بآلام إخوانه المسلمين ونصره لهم، إن كان نصراً في الكلمة، أو في الوقوف معهم، أو بتبني قضيتهم، أو بالدفاع عن مشروعه، أو بأي أمر يحتاجه هو، ونستطيع نحن أن نؤديه عنه، فقضيتنا هي قضية كل مسلم على ظهر الأرض.
هذا، وأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يذل الشرك والمشركين وأن يدمر أعداء الدين، وأن ينصر من يعلم أنه على الحق ويثبته ويهديه، ويكتب له القبول، وأن يهدي من يعلَم عنه خلاف ذلك إلى الحق، ويرده إليه رداً جميلاً، وأن يقصم كل من يعلَم منه العناد والإصرار والمحاربة لدينه وشريعته ونبيه عليه الصلاة والسلام، وأن يهدي ضال المسلمين إنه على كل شيء قدير.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وإلى لقاء إن شاء الله قريب غير بعيد.