ومن عزته جل وعلا يستمد المؤمنون عزتهم، فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين؛ ولهذا لا تجد المؤمن الصادق إلا عزيزاً بإيمانه، حتى لو كان فقيراً أو ضعيفاً في نفسه، وما تلك المواقف الشجاعة القوية المحفوظة للمؤمنين من العلماء والمجاهدين والدعاة المخلصين؛ إلا آيةٌ على عزتهم، وأنهم يقولون: هذا الرأس الذي يطأطئ لله رب العالمين لا يمكن أن يطأطئ لغيره بحال من الأحوال، وهذا القلب الذي يتعبد لله لا يمكن أن يدين بالعبودية لغيره، وهذا اللسان الذي يلهج بذكره تعالى لا يمكن أن يستخدم في القيل والقال، والإطراء الذي لا حاجة إليه، والمبالغات التي تمتعر منها النفوس السليمة.
وهكذا يكون المؤمن عزيزاً في قوله وفعله ومواقفه؛ عزةً لا تجعله ذليلاً مهيناً، وهي عزة أيضاً معتدلة لا تفضي بالمؤمن إلى نوع من العلو والاستكبار والتعاظم، بل هو متواضع في نفسه، ولكنه إذا أريد على إذلال نفسه أو إهانتها؛ فإنه يغضب ويزمجر كما يزمجر الأسد، ولا يرضى لنفسه الدنية في دينه، حتى ولو كان فقيراً، ولو كان ضعيفاً، ولو كان معدماً لا يملك شيئاً، ولو كان أسيراً، ولو كان مهزوماً، ولو كان مريضاً؛ فإن العزة جزء من دينه لا يتجزأ.
ومن يوم أن فقد المسلمون هذا الشعور بالعزة، أصبحت أمم الأرض كلها تعبث بهم كما تشاء، فلا بد من بعث العزة في نفوس المؤمنين وإثارة الحمية الدينية في قلوبهم.
وقوله عن إبليس: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82] هذه كالآيات التي قبلها في إثبات العزة والاعتراف بها حتى على لسان عدو الله إبليس؛ فإنه أقسم بعزة الله جل وعلا على ما أراد {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص:82-83] ففيه إثبات العزة لله عز وجل والاعتراف بها، حتى على لسان مردة الشياطين وعلى رأسهم إبليس اللعين.
وبالمناسبة: فإن القسم بالله تعالى أو بأسمائه أو بصفاته جائز، فيجوز أن يقسم الإنسان بعزة الله تعالى على شيء، فيقول: بلى وعزة ربنا، أو لا وعزة ربنا، أو ما أشبه ذلك، أو بغيرها من أسمائه أو صفاته.