تقييم للوضع في البوسنة والهرسك

وعلى كل حال؛ فإن لي تعليقاً أخيراً في موضوع البوسنة والهرسك، وهو يتمثل في النقطة التالية: لو أننا نفكر في قضية البوسنة الآن، كما لو كانت تحدث اليوم؛ لقال الكثيرون: إن هذا انتحار وهذه مغامرة غير مأمونة العواقب، وقضية القضاء على المسلمين في البوسنة لا تستوعب أو لا تستدعي أكثر من أسبوع أو أسبوعين على أكثر تقدير، لماذا؟ لأنهم أقلية ودولة ناشئة بلا جيش، ولا طائرات، ولا سلاح، وفي وسط بحر كافر نصراني، ويجاورهم الصرب رابع أقوى جيش في العالم، والصرب معروفون تاريخياً بالقسوة والقوة والشدة والبأس والنجدة في الحروب، وإلى جوارهم الكروات، وهم أيضاً كفار نصارى والأمم الغربية وأوروبا كلها؛ لا يمكن أن ترضى بإقامة دولة إسلامية، أو حتى دولة للمسلمين في وسط أوروبا؛ تهددهم وتقض مضاجعهم؛ ولذلك فإن التفكير المنهزم سيقول: لا داعي لأن يقوم المسلمون بأي شيء، وعليهم أن يستسلموا ويتخلوا حتى ولو ذبحوا ذبح الشياة في بيوتهم وحصونهم ومزارعهم.

أما أن تتصوروا أن المسلمين سيغضبون لإخوانهم؛ فهذا وهم! هكذا سيقول المنهزمون! لماذا؟ قالوا: لأن المسلمين مشغولون بأنفسهم، وكل أمة مشغولة بنفسها، وجراحاتهم كثيرة، ولا زالوا دون المستوى المطلوب في التجاوب مع قضايا المسلمين ومع همومهم.

أقول: هذا حديث النفس حين تشف عن بشريتي وتعود بعد ثوانِ:وتقول لي إن الحياة لغاية أسمى من التصفيق للطغيان أما الواقع فقد أثبت خلاف ذلك، وأثبت أن المسلمين في البوسنة والهرسك أقوياء، وأن العالم الإسلامي بدأ يصحو ويستيقظ، ولعلي أقول لكم: اجتمع بعض الرسميين المسلمين في الباكستان قبل أسبوع، وأعلنوا أنهم مستعدون لإرسال أكثر من عشرين ألف جندي مسلم إلى البوسنة والهرسك، وبعد ذلك -بيوم واحد فقط- تغيرت اللهجة في أوروبا وكانوا يهددون بسحب قوات الأمم المتحدة من البوسنة فعدلوا عن ذلك، وبدءوا يرسلون قوافل الإغاثة، وبدءوا يتنادون لعمل جاد لحماية المسلمين من عدوان الصرب والكروات عليهم، وبدأت على الأقل اللهجة الرسمية في أوروبا تأخذ مجرى آخر إنهم يخافون أشد الخوف أن يتحرر هذا المارد المسلم من قيوده وأغلاله، وأن يستخدم قواته وإمكانياته مهما ضعفت؛ وحينئذ لن يقوم للغرب قائمة! أقول: إن العالم الإسلامي فيه خير كثير، وخاصة على المستوى الشعبي.

إنني أعرف -أيها الإخوة- أن واحداً من إخواننا من الدعاة إلى الله تعالى؛ جمع للمسلمين في البوسنة والهرسك ما يقارب ثلاثين مليون ريال، وهذا الرقم ليس بالسهل، فلو تصورنا أن عشرة دعاة في هذه البلاد المباركة فعلوا مثل ذلك؛ لكان معنى ذلك أنه تم جمع ما يزيد على ثلاثمائة مليون ريال؛ فإذا تصورنا في بلاد الخليج الغنية الثرية التي أنعم الله عليها بالنفط، وفي العالم الإسلامي كله، لو تصورنا أن مائة داعية جمع كل واحد منهم مثل ذلك، ماذا تكون النتيجة؟! ثلاث مليارات من الريالات لصالح المسلمين في البوسنة، وهذا الرقم الخيالي هو عملياً ممكن وليس بالصعب -حسب ما ذكرت- ولو تحقق هذا الرقم، لكان المسلمون أكثر تقدماً وانتصاراً مما هم عليه الآن.

وإنني أقول بالتأكيد: هذه الانتصارات التي يشهدها المسلمون في البوسنة، ونسمع اليوم بعضاً منها؛ هي -بفضل الله تعالى- ثمرة جهودكم أنتم، وأموالكم أنتم، ومشاركتكم أنتم، وثق ثقة تامة أن الريال أو العشرة أو المائة التي بذلتها وبعثت بها؛ أن الله تعالى قد بارك فيها ونفع، وأنها قد وصلت وبلغت محلها، وأن دعوات المسلمين تنطلق لهم وهم في الثغور، والخنادق، تحت أزيز الرصاص، وتحت وطأة الهجوم العدواني المسلح، وهم في ساعة يرجى فيها الإجابة، يدعون لكل من وقف معهم في محنتهم، ودعوتهم يرجى ألا ترد، فأنتم جزءٌ غير قليل من المشاركين مع إخوانهم في تلك المحنة التاريخية، التي ربما أقول: لم يشهد لها تاريخ أوروبا مثيلاً؛ بل ربما لم يشهد لها التاريخ كله مثيلاً.

وأرجو أن يكون هذا حافزاً للهمم وتحريكاً لها، وشحذاً لأن يساهم الإخوة بمزيد من التبرع ومزيد من المشاركة، وألا يكلُّوا ولا يملُّوا فإن العدو قوي وشرس وشديد، والخطر عظيم، وينبغي أن نحرص على المحافظة على هذه المكتسبات وعلى هذه الانتصارات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015