مؤاخاة المهاجرين والأنصار

Q المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين، ألا تلاحظ أن كثيراً من العلماء والمحاضرين والمؤلفين يمرون عليها مروراً عابراً لا توقف فيه ولا استقصاء ولا استنباط، بينما هي مدرسة يستنتج منها إضاءات لطريق العلاقات الاجتماعية والحياة الاقتصادية، فهل بالإمكان إيضاح الأسس الاقتصادية والتعاونية لحياة المهاجرين والأنصار؟ وهل حياة المسلمين اليوم مثل حياتهم رضي الله عنهم أجمعين؟

صلى الله عليه وسلم بالنسبة لموضوع المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار فمن المعلوم أن البيئة العربية التي بعث فيها النبي صلى الله عليه وسلم كانت بيئة قبلية، فكانوا يتناصرون ويتفاخرون على أساس القبيلة، فيقول قائلهم: وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كان المؤمنون به من قبائل شتى بل كان منهم العربي، وغير العربي فكان يوجد في أتباع النبي صلى الله عليه وسلم في مكة مثلاً سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي، إضافةً إلى أتباعه من العرب وهم كثير.

ولذلك ذكر كثير من العلماء والأئمة أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين بعض أصحابه في مكة كما في مستدرك الحاكم وغيره، وورد في ذلك روايات عديدة وإن كان علماء آخرون ينكرون هذه المؤاخاة قبل الهجرة.

فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة نزلوا على الأوس والخزرج، وكان الأوس والخزرج أيضا بينهم من العداوة والبغضاء والحروب المدمرة ما حفل بذكره التاريخ، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم كلمتهم عليه وألف بينهم فأصبحوا بنعمة الله عز وجل إخواناً، فاستقبلوا المهاجرين أفضل استقبال وفرحوا بهم وتنافسوا في ضيافتهم حتى أنه لم ينزل مهاجريٌ على أنصاري إلا بقرعة، وقد بلغ حد الإيثار بينهم؛ ما ورد في القصة الصحيحة أن سعد بن الربيع يقول لـ عبد الرحمن بن عوف وكان أخاه: [[انظر أي زوجتي أفضل فأطلقها حتى تعتد فتتزوجها وخذ من مالي ما شئت، فيقول له: بارك الله لك في أهلك ومالك]] .

وقد ذكر الله عز وجل لهم هذا الجميل فقال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9] فإذا استطاع المسلم في هذا الزمان وفى كل زمان أن يتخلص من شح نفسه؛ ومن حب المال ومن حب الدنيا وأن يؤثر أخاه على نفسه فإنه حينئذ يكون قد تشبه بهؤلاء القوم الصالحين فيحشر معهم، كما في الحديث الصحيح الذي رواه أبو يعلى وأحمد وغيرهم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ومن تشبه بقوم فهو معهم} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015