موقفنا أمام الأحداث

Q لاحظنا تضعضع الناس تجاه الأحداث الجديدة، فهل هذا هو الوهن الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وما السبيل إلى عافية الأمة من ذلك؟

صلى الله عليه وسلم هذا جزء من الوهن الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه فسره بقوله: {حب الدنيا وكراهية الموت} ؛ فإنه لا يصاب بالتزعزع والوهن إلا الإنسان المتعلق بالدنيا ومادياتها، الذي يخاف من الموت، ويكرهه، ويريد أن يستمتع بهذه الحياة، أما المؤمن الذي استعد لبذل روحه في سبيل الله عز وجل، وقال كما قال الأول: ما ضٍ وأعرف ما دربي وما هدفي والموت يرقص لي في كل منعطف وما أبالي به حتى أحاذره فخشية الموت عندي أبرد الطرف أما المؤمن الذي يقول:- وإني لمقتاد جوادي كقاذف به وبنفسي العام إحدى المقاذف فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن على شرجع يُعلى بخضر المطارف ولكن أحن يومي سعيداً بعصبة يصابون في فج من الأرض خائف المؤمن الذي هذا منطقه وهذا سبيله من ماذا يخاف؟ أشد ما يتصور هو الموت، وهذا هو أمنيته وغايته، فلم يعد يخاف من شيء إلا من الله عز وجل، ولذلك يفرح المؤمن بالشهادة في سبيل الله عز وجل، أما حين يرى هذه المصائب والابتلاءات التي تنزل بالمسلمين، فلا شك أن الحزن لذلك جزء من الدين، والتأسف والتأسي لما حدث جزء من الأخوة الإيمانية التي ربطت بين أتباع "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" وأهلها.

ولكن فرق بين ذلك وبين الشعور بالخوف والضياع والحيرة التي أصبحت تلف كثيراً من الناس، فقدان التوكل على الله عز وجل، حتى إن بعض الناس والعياذ بالله أصبحوا كأنهم لا يثقون إلا بالماديات، ولا يتعلقون إلا بالأسباب الدنيوية، فأصبحت تجد الإنسان يركض كالمسعور فيما يتعلق بأموره الخاصة، يوفر السلع الاستهلاكية في البيت بشكل مثير للانتباه ويدخر من القوت ما يكفي لسنوات، يحول أمواله بعملة أخرى، أو يحولها إلى سبائك من الذهب، وبعضهم غادروا بأهلهم وبأنفسهم إلى بلاد أخرى، وهذه في الواقع ليست صفات المؤمنين، بل المؤمنون كما حكى الله عنهم: {وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} [الأحزاب:22] .

أما المنافقون فقالوا كما حكى الله عنهم: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12] وكانوا يقولون: محمد يعدكم كنوز كسرى وقيصر وأحدكم لا يستطيع أن يذهب لقضاء حاجته، فالقوة والكثرة والضجيج لا يمكن أن تؤثر في المؤمن، بل يقول -كما هو منطق الأنبياء عليهم السلام- مثل ما قال نوح: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ} [يونس:71] ومثل ما قال صالح: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود:56] .

كما أنه يجب ألا نجعل أنفسنا نهباً لهذه الشائعات المغرضة، والتهويل التي أصبحت الإذاعات تملأ بها أسماعنا، وتهز بها قلوبنا، بل ينبغي للإنسان أن يعتصم بالعقل والعلم، ويعتصم بالله عز وجل قبل ذلك، ويجعل في قلبه من الطمأنينة والسكينة والأنس بالله عز وجل والاطمئنان إليه ما يكون خير رفيق له، ولذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب فقال: {إذا أويت إلى فراشك، فقل: اللهم وجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك, وألجأت ظهري إليك، وأسلمت نفسي إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى لي منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت} فعبر بكل معاني التوكل على الله والتفويض إليه، والثقة به، ولا شك أن من كان هكذا اعتقاده بالله عز وجل، فلا بد أن يضع الله تعالى في قلبه السكينة والطمأنينة، ولذلك تجد المؤمن لو سلب كل نعمة؛ لكان من إيمانه بالله في أعظم نعمة، وتجد المؤمن وهو في قلب الأحداث والمصائب والنكبات؛ يعيش حالة من الهدوء وسكينة الأعصاب، وراحة الضمير، يتعجب منها الجميع، فمثل هذه الأحداث لا شك أنها محك: يتبين من خلالها قوة الإيمان وضعفه، فإذا ظهر للإنسان ضعف إيمانه من خلال موقفه المتزعزع من مثل هذه الأحداث، فعليه أن يبادر في تجديد إيمانه وتعميق ثقته بالله عز وجل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015