معنى الإخلاص

والإخلاص معناه: أن يقصد الإنسان في عمله وجه الله تبارك وتعالى والدار الآخرة، فلا يقصد من وراء دعوته طمعاً دنيوياً، ولا يقصد من دعوته سمعة ولا جاهاً ولا منصباً، ولا لفت أنظار الناس إليه وتكثير الأتباع، وغير ذلك من المقاصد الدنيوية، التي قد تخطر في بال الداعية إلى الله جل وعلا.

وقد يقول القائل: وماذا يقصد الداعية إلى الله إلا الإخلاص ورجاء ما عند الله؟! فأقول: كلا! فلا نظن أبداً أن الخطر الوحيد الذي يهدد الداعية، هو أن يكون قاصداً للدنيا وقاصداً للمال، هذا خطر، ولكن هناك ما هو أشد خطورة منه، فإن كثيراً من الناس ربما يكون الحصول على الثناء الحسن والمديح من الناس؛ أغلى عنده من الذهب والفضة، ومستعد أن يضحي بالأموال الطائلة من أجل السمعة الحسنة.

فالداعية قد يكون مهدداً بأن يكون قصده كسب ثناء الناس ومديحهم.

وهناك مقصد آخر قد يلقي به الشيطان في نفس الداعية، وهو تكثير الأتباع، والتكاثر بالأتباع، وكثيراً ما كان بعض الناس يفتخر بأنه يحضر مجلسه ألف أو ألفان من الناس! ويحضر درسه المئات أو الآلاف من الطلاب! ويحضر خطبته جماهير غفيرة تكتظ بهم المقاعد والمواقع! فينبغي أن يتنبه الداعية إلى أن يكون دافعه إلى الدعوة هو ابتغاء ما عند الله تعالى، لا أكثر من ذلك ولا غير، لا يريد دنيا ولا منصباً، ولا مكانة عند الناس، ولا مديحاً منهم، ولا تكثيراً للأتباع والتفاخر بذلك، بل هو يقصد أن يقوم بمهمة، يشعر بأن الله تعالى أو جبها عليه وألزمه بها، فهو أجير ينفذ ما أمره الله تعالى به.

ولا شك أن الداعية يفرح بكثرة من يستجيب له، وهذا أمر طبيعي، ويحزن حين يرى إعراض الناس، لكن انظر؛ هل أنت تفرح بكثرة الناس حول داعية آخر؟ إن كان كذلك فحسن، وهذا يدل على الإخلاص، أما إن كنت تحزن، وتتمنى أن يكون حضورهم عندك وقبولهم لك، وإنصاتهم لما تقول وسماعهم لما تأمر، فحينئذٍ عليك أن تتهم نيتك، وتسارع إلى تجديد قصدك، قبل أن يفوت الفوت ولا ينفع حينئذٍ ندم.

والإخلاص لابد منه -كذلك- في العلم والتعليم، وهو جزء لا يتجزأ من الدعوة، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في سنن أبي داود ومستدرك الحاكم وغيرهما بسند على شرط الشيخين -كما يقول الحاكم - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله يريد به عرضاً الدنيا، لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا} وفي الحديث الآخر، من حديث أبي هريرة، في صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أول من تسعر بهم النار، وهم ثلاثة منهم: {رجل عالم قارئ جيء به، فعرفه الله جل وعلا نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت فيك العلم وعلمته} هذا رجل كان في الدنيا علماً يشار إليه بالبنان، وهو أيضاً ممن لم يكتم علمه، بل علمه وبذله في المساجد والمداس والحلق وغيرها، {فقال: يا رب، تعلمت فيك العلم وعلمته.

قال الله جل وعلا: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو قارئ فقد قيل.

ثم أمر به فسحب على وجه وألقي في النار} .

فينبغي على الداعية أن يصحح مقصده، ولذلك قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} [يوسف:108] [يوسف:108] فجعل أول شرط من شروط الداعية: أن تكون دعوته إلى الله.

هل تعلم أن الإنسان -أحياناً- يدعو إلى نفسه؟ ويعجبني في هذا المقام أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، كان يمشي يوماً في المسجد الحرام، فمر برجل يقص -والقُصَّاص نوع من الوعاظ، كانوا يجلسون فيتحدثون ويذكرون القصص، فيلتف الناس حولهم- فقال رجل لـ عبد الله بن عمر: يا أبا عبد الرحمن، أتدري ما يقول هذا؟ قال: نعم، يقول: انظروا إلىَّ انظروا إلىَّ.

فابن عمر لا يعنيه ما يقول هذا القاص، قد يكون يتلو آية أو حديثاً، أو يقرر حكماً شرعياً، أو يقول كلاماً ليس خطأ، لكن ابن عمر رضى الله عنه، شعر من حال هذا القاص وصفته وهيأته، أن حاله أقرب إلى الرياء منها إلى الإخلاص، فقال: إن هذا القاص يقول: انظروا إلي انظروا إلي، كأن القضية قضية إثبات وجود.

فالأمر خطير ومصيبة؛ أن يصبح الداعية -أحياناً- مثل الشمعة التي تضيء للناس وتحرق نفسها، قد ينتفع الناس بعلمك ودعوتك، ويدخلون بذلك الجنة، ويكون سبباً لدخول صاحبه النار، أي أن هذا العلم الذي استنار الناس به ودخلوا به الجنة، قد يدخل به صاحبه النار؛ لأن الناس أخذوه بصدق وجد وعملوا به؛ فدخلوا الجنة، وصاحبه أخذه برياء أو سمعة فدخل به النار.

وحين نقول: الداعي إلى الله، نقصد كل من يدعو إلى الله في أمر عظيم أو يسير، لأن الدعوة ليست حكراً على طبقة معينة، أو على طائفة معينة، فكل إنسان يعلم شيئاً من الخير؛ يجب أن يدعو إليه بقدر ما يستطيع- فيا أيها الداعي إلى الله، صحح نيتك فيما تعمل وتدعو إليه، حتى يكون عملك لك لا عليك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015