إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: أيها الإخوة: كثير من الشباب المتجه إلى الله تعالى في هذا العصر، أصبح هم طلب العلم الشرعي من أكبر الهموم لديهم، وأصبحوا يتطلعون إلى أن يعرفوا حكم الله ورسوله فيما ينزل بهم من نوازل، ومنهم من يتطلع إلى أن يكون فقيهاً أو عالماً أو مفتياً، ينفع الله به الأمة ويجلو به الظلمة.
ولذلك أصبحت كثيراً ما تسمع أسئلةً حول رغبة بعض الشباب عن جوانب من الخير، كالدعوة إلى الله تعالى، والوعظ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعبادة؛ بحجة الانقطاع إلى العلم والإقبال عليه، وهذا الفهم هو نابع من قصور في معرفة معنى العلم، في القرآن والسنة وعند السلف الصالح، فلم يكن معنى العلم عند سلف الأمة هو معرفة الأحكام الشرعية التفصيلية معرفة مجردة فحسب، وإن كان هذا جزءاً من العلم، وكان مفهوم العلم عندهم مفهوماً واسعاً، يشمل المعرفة العقلية لهذه العلوم بألوانها، من معرفة الأحكام الشرعية والعقائد وغيرها، ثم يشمل تطبيق هذه العلوم في الواقع، وظهور آثار هذا العلم بأعمال القلوب، من الحب والخشية والإنابة والخوف ونحوها، وبأعمال اللسان، من الذكر والتسبيح والدعاء والتعليم ونحوها، وبأعمال الجوارح، كالعبادة والجهاد وسواه، فكان هذا المفهوم متكاملاً عند السلف الصالح.