إهدار حقوق الإنسان هدم للأمم:- أيها الإخوة: إن إهدار حقوق الإنسان في أي أمة وفي أي مجتمع؛ هو هدم للأمة وعزل لها عن مهمتها التي خلقت لها، وفي كثير من البلاد يعيش المسلم وضعاً لا يتناسب مع إنسانيته، فضلاً عن دينه وعن إيمانه، يطارد في طعامه وشرابه وعرضه وأمنه، ولا يأمن على نفسه، وذلك كله يتم أحياناً تحت شعارات براقة طالما سمعناها في الشرق والغرب، شعارات الحرية والأمن والعدالة، والديمقراطية وغيرها.
على حين أن دين الإسلام جاء بأفضل النظم وأعظم التشريعات، التي تحفظ حقوق الإنسان في الصغير والكبير، حتى أن الله عز وجل قال: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة:6] وحتى إن الإسلام لا يجيز الإكراه بحال من الأحوال، فكل تصرفات المكره تعتبر باطلة، كما قال الله عز وجل: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل:106] فكل تصرفات المكره تعتبر باطلة لاغية لا قيمة لها ولا اعتبار، وذلك لأن القسر والعسر والإكراه والإلزام لا يغير قناعة الإنسان، ولا يغير الشيء المستقر الموجود في عقله، وإنما يجعل الإنسان مزدوجاً، له شيء ظاهر رسمي معلن، وله شيء باطن خفي مستتر، فهو -ظاهراً- يوافق هذا الذي يكرهه، شخصاً كان أو مجتمعاً أو وضعاً من الأوضاع، وفي الباطن لا يمكن أن تتغير قناعته ووجهات نظره الموجودة فيه.
وفي النهاية إذا وجد مثل هذا الوضع الذي يكره الإنسان ويقسره على ما لا يريد، وما لا يعتقد، وما لا يؤمن به، فإما أن يسقط الإنسان وينتهي؛ لأنه إنسان مزدوج يعيش بشخصيتين، شخصية ظاهرة، وشخصية مستترة، شخصية معلنة، وشخصية خفية، فيفقد قيمته ومكانته وإنسانيته.
وماذا تتصور في الأمة إذا فقد الإنسان فيها قيمته؟ هذا الإنسان الذي فقد قيمته لن ينفع في أمر ديني، ولا في أمر دنيوي، ولن يدفع عدواً، ولن يجاهد، ولن يقاتل ولن يأخذ بحق، ولن يكون هذا الإنسان الذي فقد إنسانيته إلا كَلاّ على مولاه، أينما توجهه لا يأتي بخير.
إذاً لا تتصور أنك سوف تهدر كرامة الإنسان وإنسانيته، ثم تحتاجه في يوم من الأيام فتقول له: الآن حتى إنني قرأت في بعض الكتب أن هناك كثيراً من الأرقاء -ولاحظ العجب العجاب- في بعض الدول أرقاء كثيرون اعتقوا جملة واحدة، فهؤلاء الأرقاء الذين اعتقوا ماذا كان شأنهم؟ هل ترى أن هذا الإنسان فرح بالعتق وتطلع إلى نسيم الحرية، وطلع يستمتع بحريته، رجعوا إلى الذين حرروهم وقالوا: جزاكم الله خيراً، إن قبلتمونا عبيداً نكون تحت تصرفكم وتسلطكم فنحن نكون لكم من الشاكرين؛ لأنهم ما تعودوا إلا على جو العبودية والذل، والأمر والنهي، كالطفل الذي تعود عند والده أن يأمره وينهاه، خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف در يميناً در شمالاً، هذا الطفل تعوَّد أن أباه يعطيه أوامر في كل حركة، لا يسمح الوالد لولده أن يتصرف أي تصرف إلا بعدما يأمره بذلك! لذلك تعطلت عقلية الطفل ومواهبه وأصبح ينتظر، وربما لو تصرف أي تصرف -مهما كان تافهاً- يصاب بهلع وفزع ورعب، لماذا؟ لأنه يمكن أن يكون التصرف خطأ فيغضب عليه والده وقد يعاقبه على هذا التصرف.