أحبتي الكرام: الجهاد بحد ذاته كلمه ذات مدلول عميق، وهي من الشعائر العظيمة التي جاء بها دين الإسلام، ولو رجعنا يسيراً الى المعنى والمدلول اللغوي لكلمة (جهاد) لوجدنا أنها مشتقة أصلاً من كلمة (جهد) ، و (جهد) تدل على بذل الجهد، واستفراغ الوسع والطاقة في أمر من الأمور، فأنت تقول: فلاناً أجهد فلاناً يعني اتعبه، وفلان اجتهد في كذا يعني بذل جهده وغايته، فإذا أضفنا إلى أصل معنى كلمة (جهد) لفظ (الجهاد) أو (المجاهدة) الذي يدل على مفاعلة بين طرفين، بأن يبذل شخص جهده ضدك وأنت تبذل جهدك ضده، هذه مثل المقاتلة، فرق بين أن تقول: فلان قتل فلاناً، أو فلان قاتل فلاناً، وفقتله يمكن أن تكون بمعنى أن يجده نائماً -مثلاً- فقتله بالسيف، لكن عندما تقول: قاتله، معناه أن هذا كان معه سيف، وهذا كان معه سيف، فالتقيا، ومازال كل واحد منهما يكر ويفر ويميل يمنة ويسرة على الآخر حتى أمكن منه فقتله.
إذاً (جاهد) تدل على أن هناك طرفاً آخر يقاتل المسلمين، ويؤذيهم، ويحاربهم، والمسلمون مطالبون بأن يواجهوا هذا بالجهاد، مثل قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران:200] فقوله (اصبروا) يدل على أن الإنسان يصبر على ما يناله، وما يصيبه، لكن لما قال: {وَصَابِرُوا} [آل عمران:200] معناه أنه لا يكفي الصبر، بل لابد من المصابرة، بمعنى أنكم ستلقون أعداء يصبرون كما تصبرون، فصابروا، أي: اصبروا صبراً فوق صبرهم.
قيل لبعض الشجعان في الجاهلية، وأظنه عنترة بن شداد قيل له: كيف كنت شجاعاً باسلاً؟ وكان عنترة عبداً ليس له قيمة، وفي يوم من الأيام أغار الجيش على قومه، فأمره سيده بأن يوقد النيران ويقاتل، فإن انتصر فهو حر، وهكذا، المهم قيل له: بماذا صرت شجاعاً يشار إليك بالبنان؟ قال: إنني أجد من الألم كما يجد غيري، ولكنني في كل لحظة أصبر نفسي، وأقول: أنتظر ربما تكون هذه اللحظة هي اللحظة التي ينهزم فيها عدوك، فأنتظر لحظة، وهكذا أصبر نفسي حتى يعلن عدوي هزيمته وانتصر أنا، وإلا فأنا أجد من الألم ومس العذاب مثلما يجد غيري.
ولذلك كان من حكمة الله أنه جعل اسم هذا الأمر الذي شرعه لنا من قتال الأعداء وغيره، جعل اسمه (الجهاد) حتى تكون الكلمة بحد ذاتها معبرة، حتى لو لم ترد نصوص صريحة في هذا الباب فإن مجرد هذه الكلمة -كلمة (الجهاد) - ذات دلالات عميقة، كما سيتضح من خلال هذا الحديث العابر.