فأنا أقول لكم -أيها الإخوة- الآن وبعد الآن: ما دفعتموه في الأمس واليوم وقبله لا يكفي منكم أبداً، ويجب أن تدفعوا المزيد والمزيد، ويجب أن يدفع الإنسان وهو يشعر أنه يدفع عن نفسه، وأنه يتصدق عن نفسه، وأنه ينفق لنفسه، ولنفسه يريد الخير، وأنه إذا استدعى أمر الإسلام ومصلحة الإسلام وحماية المسلمين أن يتخلى الإنسان عن بعض ثوبه الذي يلبس أو نعله أو غترته، فإنه يفعل: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:73] فإياكم إياكم أن تهون نفوسكم أو تضعف، أو تتخلوا عن إخوانكم! فوالله الذي لا إله غيره من لا يشعر بجراح وهموم إخوانه، ويتعاطف معهم، ولا يتعاون معهم، فوالله إنه سوف يبتلى ويصاب هو يوماً من الأيام، وسوف يقول: إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض! فالنصارى لا يقفون عند حد، ومطامحهم لا تنتهي، بل أقول: هذه البلاد هي من أعظم وأهم ما تشرئب إليه نفوسهم، حيث إنها بلاد الإسلام ومنطلق الإسلام من جهة، وهى أيضاً بلاد حباها الله تعالى من الخيرات والبركات ما ليس في غيرها، فادفع عن نفسك أولاً أيها المسلم بأن تنفق في سبيل الله عز وجل، وإياك والشح والبخل! فإن الله تعالى ينزع بركة مالك، وقد يذهب مالك في صفقة تجارية أو مصيبة أو جائحة، لكن ادفع طائعاً مختاراً، وليس غريباً أن يتخلى الإنسان عن بعض حاجاته الضرورية إذا لم يكن يملك غيرها،،وليس غريباً أن يقسم الإنسان طعامه وغداءه وعشاءه ليعطي إخوانه المسلمين بعضه، وليس غريباً أن يتصدق الطفل الصغير بالريال الذي أعطاه إياه أبوه حتى يشتري به من البوفية المدرسية.
وإذا فعلنا هذا انتصر الإسلام، لكن إذا أصبحنا مجرد متفرجين، نقول: المسلمون هناك فيهم وفيهم، والمسلمون في هذا البلد فيهم وفيهم، وفي هذا البلد انتصروا، وفي هذا البلد انهزموا، ولا نملك إلا مجرد الحديث؛ بل -أحياناً- الحديث الذي ينم عن تنقص، ونحن نقول: إن المسلمين مقصرون في كل مكان، لكن يا أخي، المسلمون -الآن- يطلبون منك لقمة العيش، وشربة الماء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إن امرأة دخلت الجنة في كلب سقته، فشكر الله لها فغفر الله لها} .
فما بالك بالإنسان، أي إنسان أن تطعمه أو تكسوه؟! فما بالك بالمسلم الذي تقوم بينك وبينه روابط الدين والأخوة والعقيدة والإيمان، وبينك وبينه حبلٌ متصل من الله جل وعلا؟ وهو مثلك ينطق بلا إله إلا الله، وإنما أُبيد ليس لعرقه ولا لجنسه، إنما أبيد لأنه يحمل هذه الكلمة، كلمة لا إله إلا الله، فأصبح الصرب يتنافسون في: من يشرب دم المسلم؟ ويسعون إلى إبادة هذا التجمع الإسلامي في أوروبا، والقضاء عليه قضاءً مبرماً.
فالله الله أيها الإخوة! من يملك يدفع، ومن لا يجد الآن فليدفع غداً وبعد غد، والحاجة قائمة، ونحن وغيرنا من الإخوة هنا وفي كل بلد نستقبل التبرعات، وستصل بإذن الله تعالى إلى أهلها ومستحقيها: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [البقرة:272] .
أسأل الله تعالى أن يكفينا وإياكم شح أنفسنا، وأن يجعل ما أنفقناه لنا وأن يخلفه علينا بخير، وأسأله -جل وعلا- أن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان، كما أسأله سبحانه بأسمائه وصفاته أن يبرم لهذه الأمة أمراً ينصر به مجاهدوها في كل مكان، ويخذل به من حار بها وناوأها، وأسأله أن يولي على المسلمين خيارهم، ويكفيهم شر شرارهم، وأسأله أن يرينا في النصارى، واليهود من عجائب قدرته ما تقر به عيوننا، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.