إن الإسلام -يا أخي- حرص على الظاهر والباطن، والظاهر أثر للباطن، ولم يهمل الظاهر بحجة التقوى هاهنا أي في القلب كما يفعل بعض الناس عندما تجد عليه منكراً، وتقول له: يا أخي! جزاك الله خيراً الرسول عليه السلام كان من سنته كذا وأمر بكذا قال: يا أخي! التقوى هاهنا، وأشار إلى قلبه وصدره، ونسي أن التقوى في كل مكان، فالتقوى إذا كانت في القلب فاضت على الجوارح، ولا يتصور أبداً لا في الإسلام ولا في غير الإسلام أن عند الإنسان عقيدة حقيقية في قلبه ليس لها تأثير في حياته العملية أبداً، هذا محال، كل عقيدة في القلب لا بد أن تترك أثرها في الجوارح؛ فالإسلام لم يهمل الظاهر بحجة أن التقوى في القلب، وكما أنه اعتنى بالظاهر، وجعله دليلاً على الباطن في الغالب، فهو أيضاً لم يهمل الباطن ويتركه بحجة العناية بالظاهر والإقبال عليه ومصانعة الناس ومجاملاتهم وتحسين صورة الإنسان المسلم أمام الآخرين.
أحياناً يقول الإنسان: والله أنا عندي هذا الشيء وتركته ليس خوفاً من الله، لكن لأني لا أريد أن أشوه صورة الطيبين، هذا دليل على خلل في قلبه؛ لأنه أصبح يستخفي أو يستحي من الناس، ولا يستحي من الله، فيجامل الناس في ترك أمر، ولا يخاف من الله تعالى في تركه، ولهذا قال ربنا جل وعلا: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْأِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام:120] .
انظر! فالإثم له ظاهر وباطن، ما هو ظاهر الإثم؟ المعاصي التي يراها الإنسان منك، سواء في هيئتك، أو معاملتك، أو في أخذك، وعطائك، فمثلاً: الفحش، والبذاءة، والشتم واللعن، وارتكاب المعاصي الظاهرة، كل هذا من ظاهر الإثم، أما الباطن فهو في القلب؛ كالحقد، والغش، والحسد، والبغضاء، وعدم الإنصاف، والظلم، والعجب، والغرور، والكبرياء، والغطرسة، واحتقار الناس، كل هذه الأشياء أصلها في الباطن، لكنها تفيض على الظاهر، فيظهر تصرف هذا الإنسان في معاملته للآخرين.