ألم تعرف قصة جريج العابد؟ لما كان في صومعته يصلي فنادته أمه وهو يصلي، فتردد وقال: يا رب، أمي أو صلاتي؟! أي: هل أجيب أمي أم أستمر في صلاتي، فترك أمه وظل يصلي، فنادته مرة أخرى، ومرة ثالثة، فغضبت عليه وقالت له: -وهذا هو أسوأ دعاء يمكن أن تدعو به على ولدها- قالت: لا أماتك الله حتى يريك وجوه المومسات! والمومسات هن الزانيات اللاتي يتعاطين البغاء والفجور.
فقط دعت عليه أن يريه الله وجوه المومسات، وهذا أسوأ دعاء، وأعظم عقوبة يمكن أن توجهه إليه، وكانت هناك امرأة بغي من بني إسرائيل فأعطاها بعضهم مالاً على أن تفتن جريجاً، فجاءت إليه فلم تظفر منه بشيء، حيث إنه أعرض عنها وأقبل على صلاته، فذهبت إلى الراعي الذي يرعى الغنم، ومكنته من نفسها، فزنى بها، وحملت، فجاءت إليهم وقالت: هذا من جريج، قد زنى بي جريج وأنا حملت منه! فجاءوا إليه وكانت صومعته من طين فهدموها وجرجروه، وقالوا: انزل يا خبيث! أنت تتظاهر بالدين وأنت كذاب، فعلت الفاحشة في هذه المرأة، وهذا الولد منك، فبهت جريج لبعده عن هذه الأمور، ودعا الله تعالى أن ينقذه من هذه الدعوى الكاذبة، فأقبل على الغلام، وقال له: يا غلام، يا باقوس، من أبوك؟ يصرخ بهذه الكلمة لأنه ينادي الله الذي لا يتخلى عن الصادقين أبداً، فأنطق الله هذا الغلام وقال: أبي هو الراعي، فاندهش الناس، لأنهم علموا أن جريجاً أبرأ وأطهر من السحابة في سمائها، واندهشوا لأنهم علموا أن له من المنزلة والمكانة عند الله ما جعل هذه الكرامة تتحقق له فينطق الطفل الرضيع ببراءته، واندهشوا لأنهم قد عرفوا أنهم قد اتهموه وآذوه وظلموه، فأقبلوا إليه يضمونه ويقبلونه، ويقولون له: نبني لك صومعة من ذهب، قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت؛ لأن أهل العبادة وأهل الآخرة لا تهمهم المظاهر! فالمهم في القصة أنهم لما جرجروه وجاءوا به من الصومعة، ومشوا به في أحد الشوارع؛ فالتفت -حانت منه التفاتة- وإذا به يجد لوحاتِ وبيوتَ وأماكنَ البغاء -هذا يوجد حتى مع الأسف في بلاد إسلامية، لكن في بلاد الغرب معروف، أماكن خاصة للفساد- فلما التفت وجد البغاء، ووجد البغايا على الأبواب يعرضن أنفسهن، فضحك ضحكة مشوبة بالدموع؛ لأنه تذكر دعوة والدته وأنها هي التي جرته إلى هذا المكان، حتى يرى وجوه البغايا ووجوه المومسات، ثم استغفر الله تعالى.
ففي هذه القصة عبر، من هذه العبر: