ومن ملامح النظام الدولي الجديد: الديمقراطية، وذلك أنهم يريدون أن يصوروا هذا النظام على أن الصراع فيه هو صراع بين الديمقراطيات الغنية الشمالية الغربية، وبين الديكتاتوريات الجنوبية الفقيرة.
ومن مظاهر الديمقراطيات بطبيعة الحال: السماح للأحزاب السياسية أن توجد وتمارس حرياتها، وتقدم برامجها في كل مكان -بغض النظر عن أديان هذه الأحزاب ومعتقداتها- وهذا أمرٌ تحمله أمريكا على عاتقها وتحاول أن تفرضه بكل ما تستطيع من قوة على بلاد المسلمين.
ومن ديمقراطيتها: السماح بالاتجاهات الفكرية المختلفة وألا يُضَايَق أحدٌ في فكره؛ فأمريكا ومَنْ وراءها -حلفاءها في النظام الدولي الجديد- يسعون إلى إعطاء أصحاب الاتجاهات الفكرية المنحرفة كالعلمانيين والملحدين، وأنواع الفلسفات المادية المنحرفة، إعطائها الحرية لأن تقول وتعبر عن نفسها من خلال الكتاب والمجلة والمقال والمحاضرة والدرس والمناقشة وغير ذلك في أي بلد -من غير تحفظ- وتعتبر هذا جزءاً من حقوق الإنسان في حرية التعبير؛ وينبغي أن يلاحظ أنهم حين يتكلمون عن قضية حرية التعبير وحرية التفكير أيضاً: أنهم قد يدخلون فيها أحياناً الدفاع عن بعض الحقوق الإسلامية؛ فأنت تجد بعض المؤسسات الغربية تدافع عن حقوق المسلمين فتدافع -مثلاً- عن العلماء، وتدافع عن الدعاة تدافع عما تسميهم رجال الدين، لكن هذا كله جزء قليل، بالقياس على العمل الكثير الذي تقوم به هي في الدفاع عن أصحاب الاتجاهات التي توافق الغرب وتلبي مطامحه ومطامعه.
فإننا نجد أن أمريكا والغرب يبارك ضرب التيارات الإسلامية في كل البلاد العربية والإسلامية، ويعتبر هذا عربوناً على قوة تلك الدول وصدقها في ولائها، وقد حصل هذا في مصر، وحصل في سوريا، والجزائر، وتونس، وحصل في العديد من البلاد، لا أقول بصمت من الغرب! بل بتأييد ودعم، وإن الغرب يعتبر هذا هو آية صدق تلك الحكومات في ولائها وإخلاصها وقوتها، كما أن الغرب يسعى من خلال فرض ما يسمى بالديمقراطية: إلى حرية التدين -يعني: أن يتدين الإنسان بأي دين، الإسلام، أو اليهودية، أو النصرانية، أو اللادينية.
حرية التدين! وهم بطبيعة الحال لا يقبلون بالإسلام ديناً بالمعنى الصحيح! لكنهم قد يتظاهرون فيقبلون بعض العبادات وبعض الأشياء التي لا تضربهم ولا تؤثر على مصالحهم؛ لكنهم يريدون من وراء ذلك إتاحة الفرصة لأي إنسان أن يتنصر أو يلحد، دون أن يكون عليه ضغوط معينة؛ بل إن هناك محاولات لتغيير أنظمة بعض الدول؛ لتسمح لمواطنيها أن يتدينوا بأي دين شاءوا.