التعلق بالوظيفة

من أنواع التعلق -تعلق القلب بغير الله- تعلق القلب بالوظيفة الدنيوية، بحيث تصبح هذه الوظيفة هي هم الإنسان، من أجلها يسعى سواء كانت هذه الوظيفة وظيفة إدارية أم تعليمية أم غيرها، فكثير من الناس اليوم تعلقوا بهذه الوظائف، وأصبح عملهم من أجلها، حتى إنك تجد أن الإنسان -أحياناً- وهو في عمل شريف كالتدريس، أو التوجيه، وقد تكون المرأة معلمة، أو موجهة -وهذه الرسالة رسالة التعليم والتوجيه هي أشرف رسالة في الحياة، والمعلم إذا كان يعلم طلابه الدين والشرع بطريقة صحيحة، فهو من ورثة الأنبياء، لأن الرسل بعثوا ليعلمون الناس، ويرشدونهم، ويدرسونهم- تجدين أن المُدرسة أو الموجهة أو الموظفة تشعر بأنها تؤدي وظيفة وليست تؤدي رسالة، ولست بهذا أقصد التعميم، وإنما أقصد أن من تعلق قلبه بالوظيفة كان كذلك، وإلا فإن ما نسمعه عن كثير من العاملات في هذا المجال مما يبشر بخير كثير إن شاء الله.

فالمرأة المتعلقة بالوظيفة والتي تشعر أن تدريسها هو مجرد وظيفة تأخذ عليها الراتب، لا تكون قدوة حسنة لطالباتها، ولذلك قد تدرس مواداً دينية -مثلاً- وتبين للطالبات اللباس وكيف يجب أن يكون من حيث الستر والسعة، كونه فضفاضاً غير ضيق، وعدم الطيب، وطريقة اللباس، وطريقة الشعر وغيرها، وهي مخالفة لهذه الأشياء كلها وحينئذٍ يصدق عليها قول الله عز وجل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] ولله در القائل في مثل هذا الصنف: يا واعظ الناس قد أصبحت متهماً إذ عبت منهم أموراً أنت تأتيها أصبحت تنصحهم بالوعظ مجتهداً والموبقات لعمري أنت جانيها ويقول أبو الأسود الدؤلي في قصيدة له: يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى كيما يصح به وأنت سقيم ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم فهناك يُقبل إن وعظت ويُقتدى بالقول منك وينفع التعليم لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيم فعلى الأخت المسلمة -مدرسة كانت أو موجهة أو مديرة- أن تحرص على أن تكون هذه الوظيفة مجرد وسيلة للإصلاح، وخدمة الإسلام والمسلمين، وتربية النشء تربية إسلامية صحيحة، وهذا هو ما نظنه بالأخوات أو بكثير من الأخوات العاملات في هذا المجال.

إن تعلق قلب الإنسان بالوظيفة يجعله يحرص على الوصول إليها بأي وسيلة ومن ذلك -مثلاً- أن كثيراً من الطالبات لأن قلبها متعلق بمسألة النجاح في الامتحان، ومن ثم التخرج والالتحاق بمعهد أو كلية ونيل الوظيفة أو الشهادة، إن الطالبة لا تبالي بأي وسيلة نجحت، وكثيراً ما نسمع شكاوى من المعلمات وغيرهن من كثرة محاولة بعض الطالبات للغش والتزوير في الامتحانات، وهذا عمل لا شك أنه محرم، وفي الصحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {من غشنا فليس منا} وهذا دليل على أن الغش كبيرة من كبائر الذنوب أياً كان هذا الغش، سواء في البيع، أم في الشراء، أم في المعاملة، أم في الامتحان، أم في أداء الواجبات، أم في غيرها، فالغش بجميع أنواعه محرم في الإسلام، {ومن غش فليس منا} كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا وعيد شديد يدل على أن الغش من كبائر الذنوب.

وما يدفع الطالبة إلى الوقوع في الغش، والتزوير، والتلاعب، إلا لأن الهم أصبح هو النجاح لا غير ونيل الشهادة، ثم الوظيفة، أما لو كانت تشعر بأنها تتعلم لتكوّن شخصيتها، وتتعلم دينها، وتعرف واجباتها، فإنها تدرك أن الغش حينئذٍ لا ينفعها في هذا المجال، بل يضرها، وهو بالتالي يخرج لنا في المستقبل معلمة تخرجت بالغش، ومديرة تخرجت بالغش، وموجهة تخرجت بالغش، وقل مثل ذلك في جميع الأعمال الدنيوية في مجال الرجال، أو في مجال النساء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015