مأساة البوسنة والهرسك

Q ما هو تصوركم لأبعاد المأساة الأليمة والفجيعة العظيمة التي حلت وألمت بإخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك, على ضوء آخر التطورات والأحداث, فماذا يعني تدخل الدول الأوروبية رغم كفرها وإلحادها لحل المشكلة كما يزعمون؟ والله أسأل أن يوفقكم لما يحبه ويرضاه من القول والعمل.

صلى الله عليه وسلم الحقيقة أن قضية البوسنة والهرسك من القضايا الخطيرة والكبيرة, وتحدثنا فيها في مناسبات خاصة، وقد أقمت ندوة فيها مع أحد الدكاترة الذين ذهبوا إلى هناك من أصحابنا ورجع وعرض بعض المشاهدات والمرئيات بعنوان: " مشاهدات في يوغسلافيا، وهي فيما أعلم أن هذه الندوة موجودة في الأسواق.

ولكنني أقول على أي حال قضية البوسنة قضية خطيرة للغرب وللشرق.

أما بالنسبة للغرب: فهو ينظر إلى أنها في قلب أوروبا، وتعتبر أكبر تجمع إسلامي في أوروبا -ستة ملايين- وكانوا ضعف هذا العدد إبان الحرب العالمية، ولكن أبيد منهم عدد كبير أثناء الحرب، ولم يعلم بهم أحد أما اليوم فهم يقتلون فعلاً ولكن على مرأى ومسمع من العالم كله.

وفي هذا الحدث أمور غريبة وهي: أولاً: منذ شهور طويلة والدبابات والطائرات تقصف مدينة سراييفو التاريخية الجميلة حتى حولت مساجدها ومآذنها وبيوتها ومصانعها إلى حرائق.

ويقول لي أحد الإخوة: لا تجد بناية واحدة سليمة، بل كثير من البيوت أصبحت غير قابلة للترميم أصلاً، وثلاثة شهور والناس يعيشون في المخابئ حتى نفدت كل المؤن والذخائر، وكل الأطعمة، وأصبح الناس مهددين بالموت جوعاً رجالاً ونساءً وأطفالاً ومع ذلك القصف متواصل، ممن؟ هو من الصرب.

هل صحيح أن العالم يرفض؟ أمريكا تدخلت في ساعات في بعض المواقع، وقالت كلمات واضحة، ونحن نجد أنها لم تستخدم أسلوب التهديد بشكل صريح افعل وإلا.

فلماذا لم تسلك الأسلوب نفسه مع الصرب، لو كانوا صادقين في مقاومة هذا الذي يحصل؟ ولكنهم يعطون الصرب الآن فرصة، ويقولون لهم: عجلوا وأسرعوا في القضاء على المسلمين في البوسنة والهرسك، أسرعوا بتدمير هذه الدولة، وفعلاً فإن كل الحديث الغربي منصب على شيء واحد فقط وهو الإعانات الإنسانية، فرنسا -مثلاً- أكثر المتحمسين لهذا الموضوع، إلى الآن كل نشاطاتها وتصريحاتها مقصورة على الجانب الإنساني، جانب الإغاثة، وهكذا ألمانيا.

أمر آخر هناك، الآن بوادر مخيفة، الكروات هم الآخرون نصارى، الآن أعلنوا عن دولة مستقلة لهم داخل البوسنة والهرسك، يعني اقتطعوا جزءاً من الأرض التي يملكها ويحكمها المسلمون الآن، اقتطعوها واستقلوا بها في دولة كرواتية بوسنوية نصرانية.

ويقول كثير من المراقبين: إذا قامت هذه الدولة فعلاً واستقرت، فإنها تهدد وجود البوسنة والهرسك -الدولة الإسلامية- تهديداً مباشراً ويصعب تصور وجود دولة البوسنة والهرسك المستقلة في ظل مثل هذا الوضع.

خاصة وأن هناك أخباراً قديمة عن وجود نوع من التحالف بين الكروات والصرب ضد المسلمين، ولو تحالف الكروات والصرب وأعلنوا ذلك ضد المسلمين لكانت كارثة كبيرة.

فالآن أكبر إيجابية في الواقع هي أن الكروات يساعدون المسلمين، وعن طريقهم تنتقل الأسلحة، وينتقل الذين يزورون تلك المناطق إلى غير ذلك.

والغرب يخاف من شيء كبير في يوغسلافيا -في البوسنة والهرسك- وفي غيرها، يخاف من قضية ظهور الجهاد الإسلامي، ولذلك هناك خبر صغير نشر وأُثير وهو وجود شاب عربي قتل هناك، هذا الخبر على رغم من أنه فردي ومحدود إلا أن له تأثيراً كبيراً في الأوساط الغربية، فضلاً عن أنني سمعت أن هناك مراكز للشباب العرب لمشاركة إخوانهم في الدفاع عن أنفسهم، لماذا؟ هم ليسوا بحاجة إلى الرجال ولكن من الناحية المعنوية، لرفع معنوياتهم، فالغرب يخشى أن تتحول البوسنة والهرسك إلى أفغانستان أخرى.

وهنا تكمن الخطورة لأنها بلد جبلي فعلاً وصالحة لمثل هذا الشيء.

الأمر الثاني: أنها في قلب أوروبا، وقد تكون هذه شرارة لحروب صليبية متواصلة، كما يوجد في الجمهوريات التي خرجت عن الاتحاد السوفيتي الآن احتكاكات كثيرة وفي بلاد شتى.

فالغرب يتخوف الآن من ظهور قضية الجهاد في سبيل الله، ومما أبشركم به أن المسلمين هناك في البوسنة والهرسك على الرغم من أنهم كانوا مجهولين وبيننا وبينهم -نحن المسلمين في المشرق والمغرب هنا في البلاد العربية والإسلامية- مسافات بعيدة، حتى أن أكثرنا لم يكن يعرف هؤلاء المسلمين ولا يدري بوجودهم قط، إلا بعد الأحداث بزمان طويل، ومع ذلك الآن بدءوا يعودون إلى دينهم وبدءوا يصححون أوضاعهم، حتى يقول لي كثير من الإخوان الذين ذهبوا إلى هناك والتقينا بهم، يقول: الآن بدءوا يتكلمون عن قضية الجهاد، ويستشعرون معنى الشهادة في سبيل الله، وظهرت في قلوبهم قضية الحماس للدين، وبدأت مسألة العداوة للنصارى.

وظهرت أيضاً الأخلاقيات الإسلامية مثل الالتزام بالحجاب، ومثل ترك التدخين، ومثل المحافظة على الصلوات إلى غير ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015