أما هذا الدين فقد مضى عليه اليوم ألف وأربعمائة سنة، وعدد المتحمسين لهذا الدين في ازدياد، انظر إلى عدد رواد المساجد، تجد أن العدد يزداد يوماً بعد يوم، بل انظر إلى عدد الذين يدخلون في الدين، تجد قبائل بأكملها من الوثنيين، أو النصارى، في أفريقيا، وإندونيسيا، أو غيرها من بلاد الله تدخل في دين الله عز وجل ليس فقط أولئك الذين لا يملكون العلم هم الذين يدخلون في الدين، بل حتى في أرقى مراكز العلم، في أوروبا، وفي أمريكا، أطباء، وعلماء، وخبراء، وساسة، على أعلى المستويات، يعلنون دخولهم في الدين.
وسفير ألمانيا في بلاد المغرب، خير مثال على ذلك (هوفمان) الذي أخرج كتابه الجديد الشهير: الإسلام هو البديل، والذي تكلم فيه عن انهيار الحضارة الغربية، وقدم فيها النموذج الإسلامي، كبديل عن تلك الحضارة الزائلة الآيلة للانهيار.
ومثله عدد من سفراء الدول الغربية، وعدد من رجالتها، وساستها، وعلمائها، وخبرائها، يعلنون دخولهم في هذا الدين، إذ أن هذا الدين هو دين الله عز وجل وهذا سر المعجزة، فهو يصلح للأعرابي في صحرائه، كما يصلح للطبيب في مختبره أو عيادته، كما يصلح للسياسي في أروقته، كما يصلح للرجل في معمله، كما يصلح للمرأة في عقر دارها، إنه الدين الذي يلائم عقول الجميع ونظراتهم، ويلبي كل مطالبهم الفطرية الجبلية.
إن أولئك الفتية الذين تخرجوا على يد النبي صلى الله عليه وسلم، وخرجوا من صحرائهم لأول مرة، لا يزالون معلماً تتخرج على ضوئه الأجيال بعد الأجيال، لقد جعل منهم الوحي رجالاً خير من عرف الناس، ومشى الدين فيهم مشي العافية في المريض المضنى المقعد، وفي لمحة بصر تحولوا من رعاة الشاء والغنم، إلى قادة العصور وسادة الأمم، تحولوا إلى فرسان النهار رهبان الليل، تسمع بالليل بكاءهم بالقرآن كدوي النحل، وتسمع بالنهار صليل سيوفهم، كما قال الشاعر: مشى الوحي فيهم مشية البرء في الضنى فأي فتى من سحره غير طافح فطاروا إلى الدنيا بدين محمد وقد فتحوا الدنيا كلمحة لامح كأن الرياح الذاريات مطيهم يلفون وجه الأرض لف الوشائح تجوز بهم رمضاء كل تنوفة سوابح خيل تهتدي بسوابح ففي كل بر منهم زحفُ زاحفِ وفي كل يمٍّ منهم سبحُ سابح كأن دوي النحل مثل دويهم إذا ارتفعت أصواتهم بالفواتح يجول بهم إسلامهم كل جولة ويلقي بهم إيمانهم في الطوائح فما الموت في الإيمان مرٌ مذاقه ولا الحتف في الإسلام صعب الجوائح فقادوا على أرماحهم كل مصعب وراضوا على أسيافهم كل جامح فلا قيصر يزهو على الشام تاجه ولا تاج كسرى كالنجوم اللوامح تناثرت التيجان تحت خيولهم وأهوى على أقدامهم كل طامع فأين عيون الحق تشهد أمة تئن أنين الطير من كل ذابح تعالت فطاحت فاستكانت فأصبحت لإذلالها يلهو بها كل مازح فلا ملكها في الأرض مشتبك العرى ولا عيشها في الناس عيش الصحائح على مثلها من ذلة بعد عزة تفيض جفون بالدموع السوافح فهل صيحة في العرب تبعث ملكهم ألا ربما هبوا لصيحة صائح إن هذه المسافة التاريخية الهائلة التي قطعها الإسلام وهو يكتسب في كل يوم مواقع جديدة، وانتصارات جديدة، على رغم الضعف الذي ألم بأهله، وحملته، إن ذلك كفيل بأن يطمئن القلوب، ويهدئ النفوس، ويقطع للناس جميعاً أن المستقبل لهذا الدين اليوم، كما كان له المستقبل بالأمس، وأن كلمة الله تعالى ماضية على الناس في هذا الزمان، كما هي ماضية في كل زمان، وأن الله تعالى قال في محكم التنزيل: {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} [النور:55] .