وهناك جانب آخر من جوانب التجديد في تطبيق الإسلام، وهو: التجديد في ميدان الدعوة إلى الله تعالى، والتجديد في وسائل الدعوة.
والدعوة إلى الله الأصل فيها الإباحة، بمعنى: أن أي وسيلة جديدة يتَفَتَّق عنها العصر الحاضر أو العصور القادمة إذا لم تكن محرمة -لم يقم الدليل على تحريمها- فالأصل جواز استخدامها في الدعوة إلى الله تعالى، ولا يشترط في الوسيلة أن تكون توقيفية، بمعنى: أن تكون منقولة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد استخدم المسلمون في الدعوة وأمور الإسلام وسائل لم تكن موجودة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام: كتدوين الدواوين، وتنظيم الجند، وقضايا بيت المال، وقضايا الكتب، وغيرها من الأمور والوسائل التي جدَّت في عصور متأخرة؛ فأخذها المسلمون عن الأمم الأخرى وانتفعوا بها، فالأصل في الوسائل الإباحة.
ولا شك أن العصر الحاضر تَفَتَّقَ عن وسائل كثيرة للدعوة إلى الله تعالى، ومما يُعاب على الدعاة أنهم ما زالوا جامدين على وسائل قديمة، ولم يفكروا في الاستفادة من الوسائل الجديدة في الدعوة إلى الله، ولعلَّ أبرز مثال هو وسائل الإعلام: فسائل الإعلام أصبحت تصوغ عقول الناس وحياتهم وأفكارهم في كل مكان؛ لكن آخر مَن يهتم بوسائل الإعلام هم الدعاة إلى الله عزَّ وجلَّ، وإذا اهتموا بها اهتموا بها بطريقة غير صحيحة -في كثير من الأحيان- وغير مجدية، بل ربما يكون ضررها أكثر من نفعها.
وقضية الإدارة -مثلاً-: كثير من أعمالِ المسلمين ومراكزِهم وجهودِهم ومؤسساتِهم مَبْنِيَّة على نوعٍ من الفوضى والارتجال، ولم تستفِد من الطرق والنظريات الجديدة في الإدارة، فهناك طرق تطورت الآن تطوراً مذهلاً وهائلاً، وأصبح بالإمكان الاستفادة من الوقت، وضبط الوقت، وحفظ الوقت، وطرد إدارة أعداد هائلة من الناس بسبب كمية قليلة بطرق معينة.
فنحن نحتاج إلى الاستفادة من هذه الوسائل، وقل مثل ذلك في وسائل كثيرة جداً في هذا العصر.
ومن الأشياء المهمة أيضاً في قضية تجديد الإسلام ووسائل الدعوة، هي: موضوع مخاطبة الجماهير، فقد آن الأوان ألا تكون الدعوة إلى الإسلام وقفاً على دعوة الشباب والطلاب وغيرهم، لا، بل نحتاج الآن إلى مخاطبة جماهير الناس؛ لأن الجماهير اليوم مستهدفون من أعداء الإسلام، ولعلكم جميعاً تسمعون عما يسمى بالبث المباشر، الذي تخطط له الدول الأوروبية والغربية والشرقية عبر الأقمار الصناعية، بحيث تسقط آلاف البرامج على البلاد الإسلامية ليتلقاها الناس في قعر بيوتهم، وهذا غزو خطير: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأحزاب:10] وفعلاً هذا هو الواقع، فأعداء الإسلام يخاطبون جمهور المسلمين اليوم، والضالون والمنحرفون من المسلمين وأصحاب المناهج المنحرفة اليوم يخاطبون جمهور المسلمين.
وأيضاً الدعاة بحاجة إلى أن يخاطبوا جمهور المسلمين، وأن نبسط العلم للناس، ونسهله لهم، وأن نحاول أن نخاطب أكبر طبقة ممكنة من الناس من خلال الوسائل المتاحة.