وعلى سبيل المثال: يوجد من المشايخ في هذا العصر من يعتبر أن وضع اليمنى على اليسرى بعد القيام من الركوع بدعة، ويوجد من العلماء في هذا العصر ومن قبل من يرى أن وضع اليمنى على اليسرى بعد القيام من الركوع أنه هو السنة، ويستدلون بحديث سهل بن سعد في البخاري: {كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على اليسرى في الصلاة} ويقول: من المعروف أن هذا في القيام، سواء قبل الركوع أو بعده، فهل أستطيع أن أصف من فعل هذا أو ذاك بأنه مبتدع؛ لأنه خالف السنة في نظري؟ لا يمكن؛ لأن هذه مسألة فيها اختلاف.
حتى لو فرض جدلاً أني رجحت أحد الأمرين، فهذا لا يعني وصم الآخر بأنه مبتدع، بل حتى لا نوافق أصلاً على وصف العمل بأنه بدعة، لكن من باب التسليم والتوضيح بهذا المثال فقط، وقد يقع الإنسان في شيء نقر بأن هذا العمل بدعة أو مخالف للسنة، لكن لا يوصف الشخص بأنه مبتدع، بل قد يقع في الكفر ولا يوصف بأنه كافر إلا بعد وجود الشروط وزوال الموانع من هذا الإنسان، فقد يكون جاهلاً ومثله يُجْهل، وقد يكون متأولاً، أو قد يكون قاصداً شيئاً آخر غير ما ظننت؛ أنا ظننت أنه يسخر بالدين، ولما سألته تبين أنه يقصد معنى آخر لا علاقة له بهذا الباب إطلاقاً.
وقد يكون يسخر ولكن في حالة غياب عقله وإدراكه عنه، أو غلبه نوع من المواجيد عنده جعلته يقول ذلك.
حتى إني رأيت أن الإمام الذهبي رحمة الله عليه في مواضع كثيرة، يتأول لكلمات واضحة وضوح الشمس، أنها نقض لأصول الشريعة، حتى إنه -أحياناً- يتأول أنه ربما أن الإنسان قال هذه الكلمة في حالة غياب عقله، من أجل ألاَّ يصفه -مثلاً- بالكفر، لماذا؟ لأن أهل السنة هم أرحم الناس بالناس.