فأنت مثلاً متحمس لقضية قد ملأت عليك عقلك وجوارحك، واستولت على اهتمامك؛ لأنك ولدت معها، وعشت معها، ونشأت عليها، وسمعت شيوخك يؤكدون عليها، ولذلك أعطيتها اهتمامك، وبارك الله فيك وفي مجهودك، لكن قد يكون غيرك يبذل مجهوداً آخر لا يستغني عنه الناس، فالناس محتاجون إلى العلم الشرعي، لكن وجود العلم الشرعي، ووجود طلبة مختصين فيه لا يغنينا عن وجود واعظين في المساجد يرققون قلوب الناس، ووجود هؤلاء لا يغني عن وجود معنيين بالإحسان إلى الفقراء والمساكين وأبناء السبيل والراغبين في الزواج وغيرهم، وهؤلاء وأولئك لا يغنون أبداً عن وجود الصحفي أو السياسي المسلم الذي يعرف الأحوال والأحداث والأخبار ويتابعها ويحللها، ويربط بعضها ببعض، ويربي الناس على إدراكها ومعرفة مقاصدها، وهؤلاء كلهم جميعاً لا يغني أحد منهم عن وجود المعلمين في المدارس، أو وجود الموجهين، أو وجود حلق تحفيظ القرآن الكريم، أو وجود المراكز الصيفية، أو وجود الدورات العلمية، أو وجود الجولات الوعظية إلى آلاف الأمثلة في المجالات الدعوية المختلفة، فلماذا لا يكمل بعضها بعضاً؟! وإذا لم اقتنع بشيء فعلي ألا أعمله، لكن ليس شرطاً للعمل المثمر أن يمر عبر قناعتي العقلية، فيمكن أن يكون عملاً مثمراً وأنا لم أقتنع به، وقد أكتشف بعد حين أن قناعتي كانت في غير محلها، أو حتى قد أموت بقناعتي غير عابئ بهذا الموضوع، لكن الناس المنصفين يعلمون أن هذا الأمر له ثمرة وله إيجابية، والعدل قد يدل على ذلك، وقد تكلم الإمام ابن تيمية كثيراً عن جهود بعض المتصوفة في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام.
ولأن يدخل الإنسان الإسلام على يد صوفي، ويصبح مسلماً مبتدعاً أحب إلينا من أن يبقى كافراً، وإلا فما هو رأيكم؟ إنها ولا شك معادلة لا تحتاج إلى تأمل، أي: إن استطعنا أن ندعوه ونهديه إلى الإسلام الصحيح السليم البعيد عن الشوائب والمخالفات والمغالطات والانحرافات فهذا هو المتعين، لكن أحياناً لا تستطيع ذلك ولا تملك الكفاءات له، بل قد تجد الجهل يعم حتى في أوساط المتعلمين في دول ومدن وأوضاع كثيرة، فتأتي القضية أن الجود من الموجود، ولأن يذهب داعية مسلم ولكن عنده تخليط وشوائب، فيهدي الله على يده يهوداً أو نصارى ويصبحوا مسلمين ولو على شاكلته وطريقته خير من أن يبقوا على كفرهم، وهذا لا يشك فيه عاقل.