مساوئ الفرقة

أقول بكل تأكيد: لو نظرنا في أولياء الإسلام وأنصاره، من دعاة أو مصلحين أو فقهاء أو علماء أو عامة، لوجدنا أنهم يشكلون نسبة عالية جداً في كل المجتمعات الإسلامية، وأجزم -دون تردد- أنه لا يوجد أي دين أو نحلة أو مذهب يملك من حيث الطاقة البشرية ما يملكه الإسلام، ليس في هذه البلاد فحسب، بل في بلاد المسلمين في كل مكان، ومع ذلك أكاد أجزم -إن لم يكن في كل البلاد ففي معظم بلاد العالم الإسلامي- أن المنتسبين إلى الدعوة والعلم، وأن أولياء الإسلام هم من أقل الناس إنتاجية وثمرة في ميدان الواقع، ولعل أهم سبب يعزى إليه هذا الخلل الكبير في العطاء والإنتاج والبذل هو التشرذم والتشتت وتفكك الجهود، الذي يجعل جزءاً غير قليل من الطاقة الإسلامية -أحياناً- يضيع في تدمير بعضه بعضاً.

فعلى سبيل المثال: إذا ألَّفت أنت كتاباً، وألَّفت أنا كتاباً في الرد على ذلك الكتاب، وأنت طبعت من كتابك عشرين ألف نسخة، وأنا لكي أضمن لكتابي أن يكون انتشاره أوسع طبعت أربعين ألف نسخة، وبذلت جاهي لدى المحسنين والمصلحين وفي دور النشر وغيرها من أجل تسهيل مهمة طباعة الكتاب وبيعه بأرخص الأثمان أو حتى توزيعه بالمجان.

إذاً: ستون ألف نسخة من كتاب كان يمكن أن يكون كتاباً مفيداً نافعاً يصبُّ في مصلحة الإسلام والمسلمين، فنتيجة ستين ألف نسخة من هذه الكتب، وما ترتب عليها من ضياع أموال، وأخطر من قضية ضياع الأموال ضياع الأوقات، لا يمكن أن يقول قائل: إن النتيجة صفر! بل أقل من الصفر وتحت الصفر! لماذا؟ لأن الثمرة التي يخرج بها معظم الناس؛ أن هؤلاء المتدينين دائماً يتهارشون فيما بينهم، وعندهم شهوة المخاصمة، فإذا لم يجد أحداً يخاصمه فإنه يخاصم نفسه في المرآة، لماذا؟ لأنه لابد أن يجادل أحداً، ولا بد -أيضاً- أن يخرج هو المنتصر والغالب والفائز.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015