كيف ينشأ الوهم وما حقيقته

أيها الأحبة: باختصار شديد: الوهم ينشأ من وضعنا للأشياء في غير موضعها، حين نصغِّر الكبير ونكبِّر الصغير؛ فحينئذٍ يتولد لدينا الوهم، وأضرب لكم بعض الأمثلة المادية القريبة: الشمس -مثلاً- جرمٌ هائل، ولما تقرأ كلام العلماء في جرم الشمس وحجمها وثقلها تتعجب أشد العجب! وتقول: سبحان الله العظيم! وتبارك الله أحسن الخالقين! لكن حين تأتي إلى إنسان شابٍ صغير أو طفلٍ ثم تريه الشمس وهي في رابعة النهار وفي كبد السماء، وتشير إليها؛ ثم تشير في مقابل ذلك إلى شيءٍ آخر قريب من عينيك وليكن -مثلاً- برجاً ضخماً، فتقول له: أيهما أكبر؟! بكل تأكيد هذا الصغير سوف يقول لك: إن البرج أكبر؛ مع أن هذه حقيقة مضحكة في نظر الناس؛ لأنه لا مقارنة بينهما، لكن لأن هذا الصبي الصغير لا يعرف حجم الشمس ولا يعرف أنها بعيدة عنه جداً، تصور أنه البرج -أكبر منها لأنه أقرب من الشمس- فهذا وهم في نفس الصغير! فكيف نشأ؟! نشأ لأنه وضع الأشياء في غير موضعها، فكبرَّ الصغير -وهو البرج- وتصور أنه كبير، وصغَّر الكبير -وهو الشمس- فتصور أن الشمس صغيرة لصغر عقله، وقد نضحك نحن من هذا المثال؛ لكننا نمارس هذا المثال على نطاق أوسع، وفي مجالات أخرى.

مثال آخر -وهو مثال مادي-: لو أتيت بورقة صغيرة ووضعتها قريباً من عينيك؛ لوجدت أنها تحجب عنك الدنيا كلها! الدنيا بسعتها وعرضها احتجبت وراء قصاصة من الورق بحجم راحة اليد! وذلك لأنك قربتها من عينيك فكبرت وغطت، أما الدنيا فكانت وراء ذلك، فهذا أيضاً وهم يحجب عن الإنسان رؤية الأشياء على حقيقتها.

وهكذا الأشياء المعنوية؛ خذ -مثلاً- قضية الموت؛ فالموت يحجبه عن كثير من الناس الوهم، لأن الموت يتصور الإنسان أنه بعيد، فينظر إليه نظرة صغيرة ولا يعطيه ما يستحق من التفكير، ولا ما يستحق من الاستعداد؛ وتكبر في عينه أشياء قريبة جداً، ولو تصور الموت؛ لتغير الميزان عنده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015