جود الله وعطاؤه يعم المؤمن والكافر

الحمد لله الكريم الجواد، واسع الفضل، جزيل العطاء، القائل سبحانه: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ص:39] .

اللهم أنزل على هذا الجمع المبارك من بِرِّكَ وجودِكَ ورحمتِكَ يا حي يا قيوم، ما تبيض به وجوههم، وتشرح به صدورهم، وتنور به دروبهم، وتغنيهم به من الفقر، وترحمهم به يا حي يا قيوم، وتعزهم به من الذلة، اللهم اجعل هذا الجمع جمعاً مباركاً، اللهم اغفر لنا في ليلتنا أجمعين، وهب المسيئين منا للمحسنين.

أما بعد: من أسماء الله تبارك وتعالى الجواد، أي ذو الجود والكرم، فهو الذي يُعطي بغير حساب، ويُعطي من لا يستحق العطاء، حتى إنه جلَّ وعلا لم يقصر عطاؤه في هذه الدنيا على المؤمنين الصادقين القانتين فحسب؛ بل حتى الكفار يأكلون من رزقه، ويتنفسون الهواء الذي أعطاهم، ويشربون الماء الذي سقاهم، ويأكلون الطعام الذي سخر لهم، وهم يكفرون بالرحمن، فخيره إليهم نازل، وشرهم إليه صاعد، وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل: {إني والإنس والجن لفي نبأٍ عجيب، أخلقُ ويُعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إليهم نازل، وشرهم إلىَّ صاعد} ماذا قالوا؟ قالوا: {اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً} [مريم:88] وقالوا: إن له صاحبة من الجن وقالوا: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73] وقالوا: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ} [آل عمران:181] .

بل بلغت الوقاحة بأقوام أن يقولوا: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} [المؤمنون:37] ويقولوا: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24] .

وهذا كله لم يحل بينهم وبين رزق الله وعطائه، فهؤلاء الكافرون المعاندون المرتدَّون والملحدون، يأكلون مما رزق، ويشربون مما خلق، ويتنفسون هواءه، ويعيشون في كونه، يستظلون سماءه، ويجلسون على أرضه، وهذا من جميل عطائه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015