البذل بالمال في سبيل الله

إنني أعجب، وحق لي أن أعجب! فنحن نطالبكم بالبذل، ثم ننظر ما هي حصيلة هذا الجمع في مسجد ضخمٍ كبيرٍ كهذا المسجد المبارك الذي يحضره ألوف، بل ربما عشرات الألوف، فإذا نظرنا وجدنا أربعين ألف ريال، سبحان الله! حتى الزكاة يجوز أن تدفعها لهؤلاء المسلمين، وفي النهاية أربعون ألف ريال!! ما الذي يجعل النصارى وهم أهل شرك وتثليث وإلحاد ولا يرجون من الله، ومع ذلك يجمعون مئات الملايين من الدولارات، وأنتم -أيها المسلمون- تتراجعون وتتأخرون؟! ما الذي يجعل النصارى وأولاد النصارى يأتون من روسيا لمساعدة إخوانهم من النصارى، وقبل أمس في الصحف أكثر من عشرة آلاف شاب أرثوذكسي من النصارى -من القوميين المتعصبين- الروس ينضمون إلى القتال في صفوف الصرب، ويشدون عزائم إخوانهم من أهل الكتاب.

أما المسلمون فعدد المسلمين الذين يقاتلون هناك إلى جوار إخوانهم يقدر بالمئات، ونحن لا نطالبك الآن أن تجاهد بنفسك، إنما نطالبك بأن تجاهد بمالك، وما نريده منك سوى مائة ريال أو ألف ريال وإن كنا نقبل منك حتى الشيء اليسير، ولا تحقرن من المعروف شيئاً.

وأنتِ أيتها المسلمة لا تحقري من المعروف شيئاً ولو من حليكن كما قال عليه الصلاة والسلام: {والمرء في ظل صدقته يوم القيامة} والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {سبق درهم ألف درهم} وإنما الأعمال بالنيات، ولو ريالاً فإن فيه خيراً كثيراً إن شاء الله.

ونحن نطالب أهل الغنى والجدة واليسار أن يتقوا الله في إخوانهم، والله ثم والله لسوف تسألون عنهم، فهم يستصرخون بكم ويصيحون، والعالم الغربي الكافر يجد نفسه مضطراً إلى أن يظهر الغضب والانزعاج، ويقف ولو إعلامياً إلى جوار المسلمين، ثم يخذلهم إخوانهم المسلمون، وبعض الناس يقولون: المسألة طالت! فهل هي بأيدينا؟ فهذا أمرٌ عند الله تعالى ولو طالت، فنحن لا نطالبك -يا أخي- بشيء من نفسك: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33] {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:7] نحن نقول لك: أخرج الزكاة، فأنت تعطي زكاتك -أحياناً- لإنسان قد يكون محتاجاً، ولكن ما هي حاجته؟ بعضهم يشتري أشياء إضافية للمنزل، أو ما أشبه ذلك، وربما يكون عليه ديون قابلة للتأخير وربما يكون بعض الكماليات، وربما امرأة تشتري به ذهباً تتجمل به أو تجمل به بناتها، ولكن أمامك أناس يموتون جوعاً وعطشاً ومرضاً، في الصومال، وأمامك مصائب أمم بأكملها، وكوارث حلت بشعوب تقدر بملايين، أفلا تعي؟! أفلا تعقل؟! أفلا تدرك؟! أتقيس مأساة فرد بمأساة أمة؟! ومصاب بيت بمصاب شعبٍ بأكمله؟! فأطالبكم -أيها الإخوة المسلمون وأيتها الأخوات المؤمنات- مجدداً أن تصدقوا لله في هذه الليلة بالذات، ولعله ألا يخرج منكم -بإذن الله تعالى- أحد، إلا وقد غفر الله له بصدقة نوى بها وجه الله تعالى لا يعلم بها أحد، تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:271] وربما ينصر الله سبحانه وتعالى إخوانكم المسلمين بهذا المال، وؤأكد لكم أننا وغيرنا من الذين يجمعون التبرعات نستطيع بحمد الله تعالى أن نوصلها إلى المسلمين هناك حتى تسد فاقتهم وفقرهم، ويُشترى لهم بها الأطعمة، والحليب، والملابس، والأغذية والأكسية، والسلاح، وكل شيء ممكن بالمال، والمشكلة الوجيدة هي المال.

ويا معشر النساء، أدعوكن إلى الصدقة، ولو من حليكن، وأنبه بعض الشباب أنه بمجرد صلاة الوتر، فعليهم أن يقفوا على الأبواب، ويحرصوا على جمع ما تجود به نفوس إخوانهم وأسأل الله بصفاته العليا، وبأسمائه الحسنى في هذه الساعة المباركة، وفي هذه الليلة المباركة لكل من تصدق وأنفق مما يستطيع ولو بالقليل؛ أن يجعل الله تعالى ذلك صحةً في بدنه، وطولاً في عمره، وسعةً في رزقه، وعافية في الدنيا، وعفواً في الآخرة، وصلاحاً في ولده، وسعادة في قلبه، ورفعة في درجاته، إنه على كل شيء قدير.

اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأعنا ولا تعن علينا، وانصرنا على من بغى علينا، ويسرنا لليسرى وجنبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى.

اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.

اللهم أصلحنا يا مصلح الصالحين، اللهم أصلح فساد قلوبنا، اللهم أصلح فساد قلوبنا، اللهم أصلح فساد قلوبنا، اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وأصحابه كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015