وجوب اتباع الإنسان للدليل وإن خالف مذهبه

شالقضية الثالثة: أنه حين يترجح لك أن الحق في هذه المسألة مخالف للمذهب الذي تنتسب إليه فإنه لا يجوز لك شرعاً أن تترك هذا الحق الذي عرفته من الكتاب والسنة لقول إمامك، بل يجب أن تنتقل من قول إمامك إلى قول ذلك الإمام، وأضرب لذلك مثلاً، القول بأن أكل لحم الجزور ينقض الوضوء، هذا القول -هو فيما أعلم- من مفردات الإمام أحمد رحمه الله، لكن يشهد له الحديث الصحيح: {أنتوضأ من لحوم الإبل، قال: نعم توضئوا من لحوم الإبل} .

إذاً: فلو كنت شافعياً، أو مالكياً لم يجز لي عند الله عز وجل أن أترك الحديث الصحيح لقول إمامي، لأن إمامي يقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وهو لا يرضى بأن أترك الحديث الصحيح إلى قوله.

رابعاً: فإن هذه القضية التي أشرت إليها وهي قضية اتباع الحق ولو خالف المذهب؛ قضية جوهرية وذلك لأنه شاع عند كثير من الناس، أن التمذهب يعني اقتصار الإنسان على قول إمام المذهب الذي ينتسب إليه، وصار من الصعب على كثير منهم أن يترك قول إمامه للآية أو الحديث الصحيح؛ وهذا خطر عظيم، والإنسان الذي يعرف الحق عياناً ظاهراً ثم يتركه لأنه مخالف لمذهبه يخشى عليه أن يكون ممن قال الله عز وجل فيهم أو في أمثالهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:31] وتفسير هذه الآية الذي لا إشكال فيه، هو ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم من حديث: {أليسوا يحلون لكم الحرام فتطيعوهم، ويحرمون عليكم الحلال فتطيعوهم، قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015