وأقول إن هذا القول مما يثير له العجب، وهو قول غير صحيح في نظري لأسباب:- أولاً: طبائع البشر تختلف وتتفاوت تفاوتاً عظيماً، سواء في ذلك العلماء أو غيرهم.
ثانياً: الصحابة رضي الله عنهم، وهم أفضل البشر بعد الأنبياء علماً وعملاً وإخلاصاً وتجرداً، وأقواهم عقولاً، وأعلمهم باللغة، وأسلمهم فطرة، ومع ذلك اختلف الصحابة رضي الله عنهم في مسائل كثيرة جداً مبثوثة في كتب العلم، ثم إن الأسباب التي أدت إلى اختلاف العلماء في السابق هي موجودة اليوم، بل هي اليوم موجودة بصورة أعظم مما كانت موجودة في الماضي، وما يقوله البعض من أن العلم تيسر، والمطابع أصبحت تدفع بأعداد كبيرة من الكتب إلى آخره، هذا كله غير كافٍ في إثبات إمكانية جمع المسلمين على كلمة واحدة في كل مسألة.
لذلك فإنني أقول: إن من المهم أن نعرف أن الخلاف بين العلماء أمر لابد منه -في الأصل- وعلينا ألا نتعب أنفسنا في التخلص من هذا الخلاف بالكلية، ورفضه نهائياً، أو دعوة الناس إلى أن نجمعهم على قول واحد في جميع المسائل الجزئية والفرعية، لكن الموقف الصحيح الذي يجب أن نتخذه من هذا الخلاف، هو الذي يجب أن نبحث فيه وندرسه بصورة صحيحة حتى يكون الخلاف بين العلماء إيجابياً مثمراً، وليس خلافاً ضاراً بالمسلمين.