Q من أساليب خصوم الدعوة -كما تعلم- في تشويه صور الدعاة في كثير من أنحاء العالم الإسلامي، أن توجه إليهم بعض التهم المالية والأخلاقية، وغير ذلك من التهم، فما رأيك في هذه القضية؟ وما واجب الدعاة تجاه هذا الأمر لأخذ الحيطة؟ وما واجب عامة الناس في مقابلة هذه التهم؟
صلى الله عليه وسلم أيضاً هذا السؤال حقيقة في غاية الأهمية، فهو أنموذج عملي واقعي، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث رمته الدنيا عن قوس واحدة، وألصقوا به كل التهم: المالية والأخلاقية واتهامه في مقاصده ونياته، إلى غير ذلك.
ومع ذلك استطاع عليه الصلاة والسلام، بتوفيق الله وتسديده، ثم بصبره وسلوكه الطريق الصحيح، أن يتغلب على كل هذه الأشياء، وأن تتحول الآلة الإعلامية للكفار إلى آلة غير مؤثرة.
لماذا؟ أولاً: لأن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم كانت شخصية واضحة، غير قابلة لإلصاق هذه التهم بها، فقد كان عليه الصلاة والسلام يتحرك في الهواء الطلق -كما يقال- وكل ما عنده ظاهر ومكشوف ومعروف للناس.
وشخصيته عليه الصلاة والسلام لم يتلبس بها ما يريب أو يعاب، حتى التصرفات التي فيها تأويل كان عليه الصلاة والسلام يتجنبها، مع أنه قد يكون التأويل أو بعض الأشياء التي يكون فيها تلميح للإنسان فيها متسع، كالمعاريض ففيها مندوحة عن الكذب، ومع ذلك، حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تجنبها.
ولذلك لم يجد المشركون أي أمر يمكن أن يتعلقوا به في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، فاضطروا إلى إطلاق تهم عارية عن الدليل، فقالوا: هو ساحر، وشاعر، وكذاب، وكاهن إلى آخره، والناس الذين رددوها هم أول من يدري أنها كذب، وجمهور الناس حين سمعوها، لم يستطيعوا أن يصدقوها وهم يعرفون الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يجدون في شخصيته ما يمكن أن يصدق ما قيل عنه.
ولذلك على الداعية: أولاً: أن يدرك أنه عرضة لهذه الأشياء، فعليه أن يحرص قدر المستطاع أن تكون شخصيته واضحة نظيفة، بعيدة عن أي أمر يمكن أن يتعلق به الخصوم.
ثانياً: إن على الدعاة أن يحرصوا على إيضاح الصورة الحقيقية للناس من خلال وسائل إعلامية مكافئة وقوية وتقوم بهذا الدور، وتخاطب جماهير الأمة، بحيث لا يحال بين الأمة وبين دعاتها بأصوات غير نظيفة، ولا مخلصة ولا صادقة.
ثم على الدعاة أن يربوا الناس على التثبت والتبين في الأقوال والأخبار، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] بحيث تملك الأمة منهجاً واضحاً صحيحاً في غربلة الأخبار والإشاعات والكتب والأقاويل والتهم، ومعرفة الحق منها والباطل، وعلى كل حال فإن عندنا نص من كتاب الله تعالى، يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:38] فمتى ما كان الدعاة مؤمنين صادقين مخلصين، ويريدون وجه الله والدار الآخرة؛ فلا عليهم أن يقول الناس فيهم ما قالوا.
ومهما ضج الباطل فإن دولته ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة، قال الله: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17] وكم من تهمة قيلت وتحدث الناس بها، وروجوا لها، ولكنها ولدت ميتة، ولهذا بمجرد أن تخلت عنها الأجهزة والأشخاص الذين كانوا يروجون لها سقطت ميتة، وبقي الحق شامخاً لا تؤثر فيه تلك العوادي.