طبيعة التدريس في المسجد والجامعة والفرق بينهما

Q يبدو لي يا شيخ سلمان أنك قد قمت بالتدريس في الجامعة وفي المسجد أيضاً، هل يمكن أن نعرف شيئاً عن العمل في هذين المجالين؟ ثم هل هناك فرق بين هذين المجالين؟

صلى الله عليه وسلم أما بالنسبة للمسجد -فالحمد لله- معظم جهودي كانت في التدريس في المساجد، وثمة دروس كثيرة في المسجد، لعل أقدمها هو ما بعد صلاة الفجر، فمنذ ما يزيد على ست سنوات، كان عندي درس يومي بعد صلاة الفجر في جميع أيام الأسبوع عدا الخميس والجمعة، وأحياناً قد يكون الدرس -أيضاً- في يوم الخميس، خاصة في الفترة السابقة، فكان الدرس يومياً، وقرأنا فيه -والحمد لله- عديداً من الكتب، منها زاد المعاد لـ ابن القيم، فقد قرئ علي وعلقت على المواضع التي أرى أنها تحتاج إلى تعليق فيه.

ومنها بعض المختصرات المذكورة قبل قليل، كالأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، ومتن الآجرومية، بالإضافة إلى قراءة شيء من القرآن الكريم في مطلع كل درس، هذا في الفترة السابقة، لأن الدرس تنقل بين أكثر من مسجد، بحسب السكن الذي أسكن فيه.

ثم بدأ الطلاب يقرءون ويحفظون علي: مختصر صحيح البخاري للزبيدي، ومختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري، وقد قطعنا بحمد الله تعالى وبمنه وكرمه شوطاً بعيداً جداً في هذين الكتابين، فقد تجاوزنا الثلثين أو قريباً من ذلك فيما يتعلق بصحيح البخاري، والنصف فيما يتعلق بصحيح مسلم، ويحفظ مجموعة من الإخوة الطلاب، وأعلق على كل حديث بشرح له، خاصة فيما يتعلق بـ البخاري، أما مسلم فإنني أختصر فيه الشرح بعض الشيء.

وكذلك يقرأ الطلاب في يوم الإثنين مجموعة من الكتب، منها: كتاب التوحيد للإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، قرءوه عليّ حفظاً وشرحته كاملاً بحمد الله، ثم بدءوا يقرءون علي بعد ذلك، العقيدة الواسطية، وقد وصلنا فيها إلى منتصفها، فانتهينا من الآيات القرآنية التي ساقها المصنف، ووقفنا على الأحاديث، وكذلك يقرءون نخبة الفكر، وأقوم بشرحها.

فهذه أهم الدروس التي أدرسها بعد صلاة الفجر.

أما بعد صلاة المغرب، فعندي درسان: الأول: درس بلوغ المرام، وقد سجل في التسجيلات مائة حلقة، ووصلنا فيه إلى صفة الصلاة، وأحمد الله تعالى أن وفق على التزام منهج علمي دقيق قدر ما استطعت، في شرح الأحاديث ودراستها وتخريجها والكلام عليها من جميع النواحي.

وقد لقي هذا الشرح -بحمد الله- قبولاً، ومما أعتز به ثناء مشايخي الكبار على هذا الشرح، واستماعهم إليه وتتبعهم له في الأشرطة، وقد يأتيني من بعضهم ملاحظات، وكل هذا مما يشجعني ويدفعني إلى بذل المزيد في هذا.

كما أن كثرة الطلب لهذا الشرح مطبوعاً؛ تدل على حاجة الناس إليه أو شعورهم بوجود نوع من الفائدة فيه، وقد يكون هذا من باب حسن الظن، وقد يكون لأن هذا الكتاب بلوغ المرام، لم يسبق أن شرح بطريقة متكاملة، فإن الشرح الوحيد المتداول عند الناس هو سبل السلام، وفيه نقص كبير، وهو مختصر عن البدر التمام أيضاً، ففيه نقائص كبيرة جداً، وفيه خلل أيضاً، وقد يتجاوز أحاديث دون أن يعلق عليها بشيء، فمن هنا كانت أهمية شرح كتاب كهذا.

وهناك درس آخر بعد المغرب في الجامع الكبير، وهو درس علمي عام، وهذا الدرس هو الآخر، لقي قبولاً من المحبين وطلاب العلم، بل ومن عامة الناس، وتناولنا فيه مواضيع شتى، والرابط الوحيد بينها أنها موضوعات تربوية وتوجيهية، تمس حاجة الناس.

فمثلاً: تحدثت في أكثر من درس عن قضية "الأسماء والألقاب والكنى" وتحدثت عن قضية "المزاح وآدابه" وقضية "النكت والطرائف"، وتحدثت عن قضية "الرؤى وآدابها وأحكامها"، إلى موضوعات كثيرة، تزيد على خمسة وثلاثين موضوعاً، وبعضها يكون في عدد من الأشرطة اثنين أو ثلاثة، في عدد من الحلقات.

وهذا إضافة إلى المحاضرات التي لا تلتزم بالوقت ولا بالمواضيع، بل تكون متفرقة في المدارس أو في بلدان مختلفة.

فهذا ما يتعلق بالدروس أو النشاط في المساجد.

ولا شك فيما يتعلق بالفرق بينهما، أن هناك فرقاً كبيراً، لأن التدريس في المساجد يخاطب فئة هي -أصلاً- جاءت للتحصيل، ولا يدفعها إلى ذلك إلا أمر واحد وهو الرغبة في سماع العلم وتحصيله، فهم نوعية مختارة، ولذلك هم -أحياناً- أكثر حرصاً من الشيخ ومتابعته، وقد يكون حرصهم سبباً في المواصلة واضطرار الشيخ إلى أن يراجع وأن يحضر ويستعد للدرس؛ ليكافئ هذا الجهد الذي يبذله الطلاب.

أما في الكلية يختلف الأمر، فإن الدراسة نظامية، ويأتي فيها الجميع، وقد يكون من الطلاب من يرغب في الدراسة لذاتها، وقد يكون منهم له مقاصد أخرى، كنوع من تكميل شهاداته أو الوصول إلى وظيفة معينة، وقد يكون الطالب مرتاحاً لهذا الدرس، أو لا يكون مرتاحاً إليه، بخلاف طالب المسجد، فإن الغالب أنه لا يأتي إلى الدرس أو الحلقة، إلا وهو يحس برغبة ذاتية في حضورها هذا من جانب.

ومن جانب آخر، فإن مستوى طالب المسجد يختلف عن مستوى طالب الجامعة -على الأقل- باعتباره متخصصاً، فطالب الجامعة -ولأضرب لك مثلاً-: أنا أدرس في اللغة، وفي الاجتماع، وفي علم النفس، وهؤلاء الطلاب غير متخصصين في المواد الشرعية، وبالتالي فإن همَّ الإنسان من خلال المحاضرة أو الدرس؛ أن يوصل إليهم قدراً من المفهومات الشرعية الصحيحة، والعلوم النافعة، والقواعد المهمة التي تنفعهم في حياتهم، دون الدخول في تفاصيل أخرى قد لا يتسع المجال لها.

بخلاف طالب المسجد؛ فإنه طالب متخصص، وهو يعد نفسه، أو يجب أن يعده شيخه؛ ليكون فقيهاً يسد فراغاً في المجتمع بعد سنوات قلت أو كثرت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015