صور من عبادة الشيطان

ونجد في القرآن الكريم أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين وقف أمام والده المشرك المكابر يذكره ويقول له: {يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً} [مريم:44] .

ولم يكن والد إبراهيم ممن أقاموا المعابد والهياكل وصلوا فيها وسجدوا فيها لإبليس، بل كانوا يعبدون الأصنام والأوثان والنجوم والكواكب وغيرها، وإنما إعراض الإنسان عن عبادة الله إلى عبادة الصنم، هي في الحقيقة عبادة الشيطان، حتى ولو برزت في بعض الأحيان أنها عبادة لملكٍ مقرب أو لنبيٍ مرسل، فالذين يعبدون الملائكة هم في الحقيقة يعبدون الشياطين، والذين يعبدون الأنبياء هم في الحقيقة يعبدون الشياطين، والذين يعبدون الأولياء والصالحين هم في الحقيقة يعبدون الشياطين، ولذلك إذا كان يوم القيامة يحضر الله سبحانه وتعالى الناس في صعيدٍ واحد، ويحضر آلهتهم المدعاة، فمن كان يعبد شيئاً تبعه؛ فيأتي هؤلاء الناس الذين كانوا يعبدون الملائكة في الدنيا، يحضرهم الله تبارك وتعالى، ويحضر الملائكة، الذين ادعوا أنهم كانوا يعبدونهم، ويسأل الله سبحانه الملائكة، فيقول: {أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} [سبأ:40] هؤلاء الذين كانوا في الدنيا يتظاهرون بعبادة الملائكة هل كانوا يعبدونكم فعلاً وحقاً أيها الملائكة؟ فماذا تقول الملائكة؟ تقول كما قال عنها: {قَالُوا سُبْحَانَكَ} [البقرة:32] فبدءوا بتنزيه الله سبحانه وتعالى: {أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ} [سبأ:41] أي: وإن ادعوا عبادة الملائكة، فالملائكة تبرأ من هذه العبادة وتنكرها، وتقول: نحن عبيدٌ مربوبون نتوجه بالدعاء والعبادة لله رب العالمين، فلا ينبغي أن نُعبد: {سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ:41] .

إذاً: أنكر الملائكة أن يكون هؤلاء يعبدونهم، وقالوا: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} [سبأ:41] وما المقصود هاهنا بالجن؟ المقصود بالجن: الشياطين، لأن إبليس هو أبو الجن كما تعلمون، إذاً: فالإنسان حتى وهو يخيل إليه أنه يعبد ملكاً من الملائكة، حقيقة الأمر أنه يعبدُ الشيطان، وكيف يعبد الشيطان؟ لو قيل له: إنك تعبد الشيطان؟ لأبى ونفر وتخلى عن هذه العبادة، لكن نقول: يعبد الشيطان، لأن الذي دعاه إلى هذه العبادة وزينها له، وأغراه بها هو الشيطان، فقد سلك طريق الشيطان وأعرض وأبى عن طريق الله سبحانه وتعالى، هذه صورة من صور عبادة الإنسان للشيطان.

وخلاصة القول فيها: أن الشيطان يدعو الإنسان إلى أمرٍ واحد فقط، هو أن يعبده!! وما المعاصي إلا دليل إلى عبادة الشيطان، فهي صورة مصغرة من صور العبادة، فأنا وأنت حين نعبد الله تعالى، نصلي ونسجد وندعو ونقرأ القرآن ونتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته، وهذه هي العبادة، أو هذه هي بعض صور ومظاهر العبادة، كذلك نفس الشيء إذا صرفت هذه الأشياء لغير الله، أو انحرف الإنسان عن الطاعات إلى المعاصي، يكون وقع في شيءٍ من عبادة الشيطان، فالذي يرتكب معصية، نقول هذه المعصية انحراف، وفيها نوع من عبادة الشيطان أو طاعة الشيطان، لأن الذي أمرك بهذه المعصية هو الشيطان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015