الحاجة إلى الاستفادة من المعلومات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إنني في بداية هذه الكلمة المتواضعة، أحب أن أشكر أشياخي وأساتذتي، الذين حرصوا على تشجيع تلميذٍ صغير من تلاميذهم، فحضروا في هذه الليلة، وأحب أن أقول: إنني كنتُ أعتقد أنها لا تعدو أن تكون كلمة في إحدى أُسَرْ هذا المعهد وعلى كل حال، فإنني أشكر لهم تكرمهم بهذه الجلسة، التي أرجو أن يكون من ورائها إن شاء الله الخير الكثير، وحول هذا الموضوع، بل وحول كل موضوع أحب أن أقول: إننا دائماً لسنا بحاجة إلى المعلومات المجردة، بقدر ما نكون بحاجة إلى الاستفادة من هذه المعلومات، فكم وكم من الناس من تجد لديه العلم والمعرفة في كثير من الأمور، وقد يبرز في هذا أهل الاختصاص وأهل الفن، ولكن تجد استفادته وانتفاعه بهذه المعلومات قليلاً أو معدوماً، وهذا ممن كتب عليه الشقاء، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] .

فالقضية -أيها الإخوة- ليست في كوننا نعرف فقط، بل القضية في كوننا نستفيد مما نعرف، والإنسان يشاهد في واقعه العملي أحياناً أشياء مادية ملموسة يستغربها، وأضرب لذلك مثلاً: لو افترضنا أن رجلاً من الناس يعاني من مرض من الأمراض، ويخاف من هذا المرض أشد الخوف، ثم ذهب إلى الأطباء، فقالوا له: إن علاجك يكون في الحمية، أي: أن تمتنع عن تناول أطعمة بعينها، وأعطوه قائمة بألوان وأنواع الطعام التي يجب أن يمتنع منها، فأخذ هذه القائمة، وحفظ هذه الأسماء وأتقنها، وظل لا يحتمي منها، ولا يمتنع عنها، هنا نقول: هذا الإنسان عرف السبيل إلى العلاج، لكنه لم يستفد، لأنه لم يمتنع، ولماذا لم يمتنع؟ قد يكون عدم امتناعه في الغالب ناتجاً عن ضعف إرادته، فهو يعلم أن هذا فيه ضرر عليه، لكنه لا يستطيع أن يمنع ويقهر نفسه عن تناول هذه الأطعمة، ويكون في هذه الأشياء حتفه.

كذلك الحال بالنسبة لمكائِد الشيطان، من منا يجهل العداوة التي قدرها الله سبحانه وتعالى وقضاها بين الإنسان وبين الشيطان؟ وكيف يجهلها المسلم، وهو يقرأ القرآن الكريم الذي يشير دائماً وأبداً أن الشيطان كان خلف جميع النكبات التي أصابت هذا الإنسان؟! وخروج أبينا آدم عليه الصلاة والسلام من الجنة كان بحيلة من هذا العدو اللعين، وقد حكاها الله سبحانه وتعالى لنا في القرآن الكريم، وبين كيف وسوس إليه الشيطان، وأغراه بمخاطبة غريزة موجودة ومفطورة في قلب الإنسان، وهي حب الخلود وحب البقاء، فقال: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه:120] وأيضاً أغراه بقضية حب التملك، حتى أخرجه من الجنة.

وما من مصيبة نزلت بالإنسان إلا ومصدرها الشيطان، وسببها الشيطان، ومع ذلك كله تجد كثيراً من الناس على رغم معرفتهم القوية بهذه الألاعيب وهذه الأحاديث قد يقعون فيها، ولذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى يقول لنا: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} [فاطر:6] ثم يقول: {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} [فاطر:6] .

الفقرة الأولى من الآية تؤكد العداوة، وأنها موجودة: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} [فاطر:6] وهذه القضية نظرية، وهي معرفة عقلية مجردة، كل الناس يؤمنون بها، ولذلك عقب الله سبحانه بقوله: {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} [فاطر:6] أي: عاملوا هذا الشيطان كما تعاملون عدوكم، واعتبروا كل ما يأمركم به الشيطان أو يدعوكم إليه الشيطان كيد العدو لعدوه، ومن ينتظر من عدوه خيراً أو أمراً بخير؟! وهذا التحذير الإلهي يأتي أيضاً في سورة أخرى، فبعد أن يذكر الله تبارك وتعالى لنا قصة الشيطان مع أبينا آدم ورفضه للسجود له، كما في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف:50] هذه هي قصة العداوة التاريخية بين الإنسان وبين الشيطان، يعقب الله تبارك وتعالى عليه بقوله: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف:50] .

وقد يكون غريباً أن هذا المخلوق الذي يعلن الله سبحانه وتعالى في كتابه في غير موضع أنه عدوٌ لنا، قد يكون من الغريب أن كثيراً من الناس يتبعون هذا العدو، ويتخذونه ولياً من دون الله: {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً} [النساء:119] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015