التساهل في الحجاب

النقطة الثالثة: هناك ظواهر سلبية جانبية، لا بد من لفت النظر إليها، وذلك مثل طريقة بعض الأخوات حتى من المحجبات، في لبس غطاء الوجه، أو لبس العباءه، أو لبس ما يسمونه بالكاب، الذي ظهر في هذه الأيام، ولا أريد أن أطيل التفصيل في هذه النقطة، لكن أترك التصوير الدقيق لإحدى الأخوات الغيورات التي كتبت إليَّ منذ فترة ليست بالقريبة، رسالةً تتحدث فيها وتصور بصورة دقيقة بعض ما يجري في أوساط الفتيات على سبيل التحذير، تقول: (وللنساء طرقٌ خفية شيطانية في لبس حجابهن -هذا لا يغضب أحداً لأنه من كلام النساء- قد يطلع على محظورها، كل وجهٍ إلا وجوه العلماء مع بالغ الأسف الشديد، ولا ريب أن للعالم عذره، إذ أنه رجلٌ وللرجولة عالمها الخاص -هذا من كلام الأخت التي رمزت لنفسها بالرباب وهو كلامٌ دقيق- تقول: إذ أنه رجلٌ وللرجولة عالمها الخاص، الذي من دأبه أن تظل دقائق أمور النساء بعيدةً عن إطاره، بالذات إذا علمن أن أغلب محارم أولئك العلماء والدعاة من الملتزمات، بحيث لا يرى الشيخ منهن الحالة الرديئة التي عليها بعض فتيات الأمة من خلال نسائه المحارم، لذلك كان لا بد أن تتولى الخائفات على مصير الأمة، أمر تنبيه المشايخ، وبالأخص من يخاطبون عامة الناس، ويصلون إليهم، إما من فوق منابر المساجد، أو حتى من خلال ذبذبات الأشرطة.

ولم أجد أنا طريقةً أنبه إليها إلا من خلال هذه الرسالة، وعلى غير عادة، فمعذرةً إن أخطأت السبيل، والمشكلة التي أتيتكم من أجلها، وباختصار هي اليوم في عددٍ من المدن، في السوق، في المدرسة، أمست الواحدة منا تضع عباءتها فوق أكتافها لا على رأسها، ثم تأتي بغطاءٍ طويلٍ جميل، ارتفعت الآن قيمته المادية من بضعة ريالات بالأمس، وكانت لا تتجاوز العشرة، واليوم وصلت حدود المئات، وذلك ولا شك تبع لارتفاع مهمته، ثم تديره الفتاة بفنٍ على حدود رأسها، متصنفة به، وبسرعة ترمي قطعةً أخرى سوداء صغيرة على ملامح وجهها وتمضي، هذا بعد أن كنَّا نستر وندخل الغطاء الطويل مع سائر الأعضاء تحت العباءة، بحيث تبدو الواحدة منا جسماً أسود لا يكاد يرى منه إلا عتمة سواده، أما هذه الطريقة الجديدة المدروسة، فوالله إن العابد لو رمق المرأة وهي بهذه الصورة مرةً واحدة، ما زرعت هذه النظرة في صدره إلا رغبةً جادةً في تكرارها ألف مرة.

والأكثر إيلاماً أن هذه الطريقة بكل ما تحمله من مساوي، لو انتشرت بين فتياتنا -وقد انتشرت فعلاً فستجر خلفها محاذير أكثر خطورة، خذ واحداً منها، ليس من السهل على المرأة أن ينزع حجابها الأسود الذي اعتادته على وجهها، هكذا دفعةً واحدةً، وشياطين الإنس والجن لا ريب يدركون ذلك، ويفقهون ما هو أبعد منه، فنزعه ومن ثم سفورها قضيةٌ مدرجة، لا تسير إلا بعجلات هي الخطوات المؤطرة بإطارٍ فنيٍ خفيٍ بديع، فقط هي اليوم تسحب الغطاء الصغير المعروف بالشيلة من أسفل العباءة إلى فوقها، فتظهره منسدلاً على أكتافها بكل ما فيه من علاماتٍ جمالية، يزيدها جمالاً وحسناً شكل أكتافها الذي تكفل الغطاء بتحديدها بدقة، وتبقى ترتدي العباءة بهذه الصورة فترةً هادئةً وقصيرة، فيها يمارس الدعاة إلى الله تعالى تقليب الكتب، وتصفح بطون المراجع بعيداً عن الأصابع المسمومة التي تعمل خلف أستار الظلام، وحتى يعتاد الآباء وتألف الأمهات، وحتى تجرؤ العاقلات من الفتيات على لبس العباءة بهذه الصورة، ترى بعدها بفترةٍ كيف تبدأ الأكتاف الناعمة تظهر مللها من ضيافة هذا الغطاء الذي اعتلى فوقها منذُ فترةٍ أقل من قليلة، فيعلن انسحابه من الأكتاف، كما قد تم إعلان إنسحابه من أسفل العباءة إلى أعلاها.

لذلك أشعرُ ورب الكعبة بالخشية التي تمزق أنيابها صدري، أخشى أن يأتي اليوم الذي نقلبُ فيها أبصارنا، نديرها شمالاً مرة ويميناً تارة، نبحث بين ركامِ فتياتنا عن اللون الأسود الذي اعتدنا رؤيته، فيرتد إلينا البصر خاسئاً وهو حسير إلخ.

فمثل هذه الصور التي تعبر عن أنماط ووسائل في لبس الفتاة لغطاء الوجه، أو لعباءتها، أو لغير ذلك، هي من الأشياء التي ينبغي أن يتفطن لها، لأن من شروط اللباس الشرعي ألا يكون زينةً في نفسه، وقد أحضر لي مجموعةٌ من الشباب مجموعةً مما يسمى بالكاب، ويباع في الأسوق، فرأيتُ فيه من ألوان الزينة ومظاهر الجمال ما قد يجعل عدم لبس المرأة له أفضل مما لو ظهرت وهي غير لابسة له، فهو زينةً في نفسه، وهو لا يحقق الغرض الشرعي بالستر وغض نظر الرجال عنه، بل ربما دعا الآخرين إلى تأملها، والنظر إليها، وزادها حسناً إلى حسنها، وجمالاً إلى جمالها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015