ثانياً: كما أن من أضرار الموضة التحطيم المعنوي لإنسانية الإنسان؛ لأن أبرز سمات الموضة هي التلاعب بإظهار أجزاء جديدة من جسم المرأة، وبطريقة جديدة أيضاً، ولا أبالغ إذا قلتُ أحياناً: إن العري الكامل الذي يعيشه الإنسان في الغابة أخف وألطف بكثير من ذلك العري المتفنن الذي تبدو به المرأة وهي تتابع الموضة أولاً بأول، وتخضع لرسومها الملزمة، وإذا ما بدا من المرأة أي تمنع تجاه رسوم الموضة، صدرت التعليقات بأنها لا تزال تعيش بعقلية ريفية، وأنها فتاة قروية، لا تزال تمارس أخلاق القرية، وقد سمعت هذا بأذني.
وإذا كان هدف اللباس في الإسلام هو ستر جسد المرأة وحمايته من العيون النهمة والنظرات الجائعة، فإن هدف اللباس الغربي هو التفنن في كشف جسد المرأة، وقد قال الله عز وجل: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [الأعراف:20] فهذه من مهمات إبليس وجنوده: {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [الأعراف:20] وقال سبحانه: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف:22] وقال سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف:27] وقال جل وعلا: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26] .
والموضة لعبة -أيها الأخ وأيتها الأخت- وإذا دل اسم الموضة على التجديد والحداثة، وأن الموضة زي جديد، فحقيقة الموضة أنها عودة إلى القديم، وعودة إلى الوراء، فالملابس القصيرة مثلاً وجدت في أيام الفراعنة، وجددتها الموضة، وفتحات الفساتين الموجودة الآن، وجدت في فرنسا قبل عهد نابليون، وأطلق عليها القسس وقد حاربوها حين ذاك: نوافذ الجحيم.
وكثيراً ما تكتب بعض المجلات النسائية تحت زيٍ حديث، وموضة جديدة، تكتب عبارة: ملابس جدتي أصبحت موضة! إذاً فالتي تريد أن تسبق الموضة، عليها أن تحافظ على القديم الذي هي عليه، وبعد زمانٍ طويل سوف ترجع النساء الأخريات إليها.
وقد رأيت بعيني الموضة في أكثر من بلد غربي، فوجدت كثيراً من الشباب والفتيات يعتبرون أن الموضة هي لبس ما يسمى بالجنز القديم الممزق، فيشتري الشاب منهم أو الفتاة لباس الجنز، ويقوم بتمزيقه بنفسه بطريقةٍ معينة، فيشققه هنا وهناك من عند الركبة ومن أمام ومن فوق ومن تحت وهكذا، ويشقق أسفله، ثم يمشي به، فيصبح ثوباً مهماً عندهم، وقد يبيعه بأضعاف ثمنه الذي اشتراه به وهو جديد!!! فما دامت هذه رسوم الموضة، فإنهم يتبعونها؛ لأنهم في الغرب ليس عندهم إلا هذه القضية، وكل يوم عندهم جديد، لكن العجب من أناس ينتسبون إلى الإسلام، وهم من أهل الإسلام، وعندهم هذا القرآن، وعندهم هذا الدين، وعندهم هذا التميز، ومع ذلك رضوا من أنفسهم ومن عقولهم ومن استقلاليتهم، بأن يكونوا مجرد أتباع لملوك الموضة، بل لزبانية الموضة الذين يصدرونها في دور الغرب والشرق، ثم يتلقفها المسلمون وتتلقفها المسلمات دون وعي ولا بصيرة.