بسم الله الرحمن الرحيم رواد سنة أحمد وشبابه زادوا بنور حضوركم تنويرا وربا البلاد تعطرت أنفاسها حيوا الكرام رعية وأميرا أهلاً شيوخ العلم كل قلوبنا قد كبرت لوصولكم تكبيرا أحبتي الكرام: الوقت يمضي سريعاً ولا نريد أن نطيل عليكم في هذا المقام، ولذلك اعذروني إذا كانت كلماتي كلمات عابرة.
فأولاً: نرحب بالجميع كبيرهم وصغيرهم، مأمورهم وأميرهم، شيوخهم وطلابهم، وإنما نرحب هذا الترحيب لأننا عاجزون عن أن نخص كلاً باسمه، والفضلاء الحاضرون كثير، وأعتقد أننا إن سمينا بعض الوفود وبعض القادمين فسيكون شأننا كشأن أهل حفلة العرس فإنهم ينسون في كثير من الأحيان أقرب الناس إليهم، وألصق الناس بهم، ولكن لا غرو علينا إن نسينا فإن الذي يتعامل مع الكرام يتعامل مع النفوس الطيبة الكريمة التي تحمل الأمر على أحسن المحامل، فبين أيدينا ممن يستحقون الإشارة والإشادة الكثير الكثير، فهذه كلمة لهم جميعاً.
هذا الاحتفال -أيها الإخوة- يقام في هذا المسجد بيت من بيوت الله تعالى، ومكان من أماكن العبادة لأنه تكريم لحفظة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والداخلين في هذه المسابقات.
إن المسابقة التي تنظرون اليوم جزءاً من ثمرتها حسب ما رأيت وعلمت هي جهد كبير قديم قام عليه مجموعة كبيرة من المشايخ والفضلاء وعلى رأسهم مكتب الدعوة والإرشاد بالقصيم الذي هو ممثل لسماحة الوالد الشيخ الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
بل إن الشيخ نفسه كان يتابع هذه المسابقة وهذه الدروس أولاً بأول منذ شهر رمضان الفائت بل وقبل ذلك، وقد دعم هذا المشروع دعماً كبيرا ًمادياً ومعنوياً، فجزاه الله تعالى عنا وعنكم وعن طلبة العلم في كل مكان أفضل الجزاء وأكرمه وأوفاه.
أيها الإخوة: نحن نحتفل اليوم بتخريج مائة وعشرين حافظاً، منهم من يحفظ الصحيحين كما رأيتم نماذج من هؤلاء، وأقلهم من دخل هذه المسابقة وحفظ بسببها خمسين أو مائة حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فلماذا نحتفل بهؤلاء؟ أولاً: حتى نعبر للجميع عن شمولية العلم والتعليم في هذا البلد، فإن العلم والتعليم هنا ليس مقصوراً على فن خاص، ولا على علم بعينه فأمام تدريس العلم تفسيراً وحفظاً للقرآن، وحديثاً، وفقهاً، وعقيدة، وأحكاماً، وغير ذلك، وما الدروس التي أعلن عنها قبل قليل إلا نموذج جزئي لهذا الأمر الذي نتحدث عنه.
ومع العلم فإن المشايخ هنا حريصون أشد الحرص على أن يكون العلم مقروناً بالعمل وبالدعوة إلى الله تعالى، وبالمشاركة في ميادين الحياة، فنحن لا نريد أن نخرج حفاظاً فقط يقرؤون قراءة مجردة، وإنما نتمنى أن تخرج هذه الدروس رجالاً للحياة، يوجَّهون ويُعَلِّمون ويَعْمَلون ويدعون إلى الله تعالى، ويجاهدون في سبيل الله تعالى بما يستطيعون.
ثانياً: إن من أهم ما نقصد ويقصد إليه الشيوخ هو عملية تطبيع الحفظ، فقد كنا نسمع منذ زمن أنه وجد في القرن الماضي في هذه المنطقة رجل يحفظ صحيح البخاري، أو في منطقة أخرى آخر يحفظ صحيح مسلم، فكان الحفظ حكراً على أصحاب المواهب النادرة الذين أعطاهم الله ذواكر جيدة جبارة، أما اليوم فنحن نريد أن نؤكد للناس بصورة عملية أن الحفظ ليس مقصوراً على أصحاب المواهب الجبارة، بل هو أمر أصبح طبيعياً ومتاحاً لأصحاب المواهب العادية، بل والمواهب التي قد تكون أقل من عادية مع شيء من الجهد، وشيء من الاهتمام، وشيء من تفريغ الوقت بالنسبة للمشايخ.
أيها الأحبة: لا نعتقد أبداً أن وجود حافظ واحد لصحيح البخاري مثلاً يعني أننا أضفنا إلى نسخة البخاري نسخة جديدة، ولنفترض أننا أضفنا إلى البخاري نسخة جديدة؛ فإن النسخة بحد ذاتها مهمة ومفيدة، ويكفي أن فيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه وذكر خبره، وعمله وعلمه وغير ذلك: أهل الحديث همُ أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا إننا حين نحفظ هؤلاء ويحفظهم غيرنا، فإنما نريد أن يكونوا حفاظاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيون تلك السنة التي عمل بها العلماء السابقون، ويكونون نماذج حية من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أقوالهم وأعمالهم وسلوكهم، وإذا كانت الدروس العلمية اليوم في هذا البلد فقط أربعين أو خمسين أو ستين درساً، فبمقتضى هذا التطور الكبير والإقبال العظيم سيتوفر عندنا خلال سنتين أو ثلاث أعداداً كبيرة ممن يحفظون القرآن، وإضافة إلى ذلك يحفظون الصحيحين ويحفظون شيئاً من السنة، وقد حفظوا متوناً في العقيدة وفي الفقه وفي النحو وفي غيرها وسيكون كل واحد منهم معلماً للشريعة في حيه ومسجده.
وأود أن أشير إلى أن هذه الدروس التي ذكرها الإخوة هي في مدينة بريدة فقط، أما حين ننتقل قليلاً فسنجد إلى جوارنا -مثلاً- دروس فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين في عنيزة، ومجموعة أخرى كبيرة من الدروس فيها وفي مناطق أخرى في منطقة القصيم، أما على مستوى البلاد كلها فالأمر أكبر من أحيط به في مثل هذه العجالة.
أختم كلمتي بالترحيب بكم جملة وتفصيلاً، وأقول شكر الله لكم مسعاكم، وكتب الله لكم خطواتكم، وإن كل ما أستطيع أن أقدمه لكم وقد عنيتم إلينا أن نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وهو الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد أن هذه الأقدام التي مشت إلى المسجد المبارك أنها لا تمشي إلى النار، إن الله تعالى على كل شيء قدير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تعقيب المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، جزى الله شيخنا الفاضل خيراً على هذه الكلمة الطيبة.
أيها الإخوة: لا يفوتني في هذا المقام أن أكرر ترحيبنا الحار لصاحب السمو الملكي أمير منطقة القصيم وأصحاب الفضيلة العلماء، وأصحاب السعادة المسئولين في هذه البلدة وفي غيرها، والدعاة والحضور جميعاً.