ابن تيمية والاسترشاد بالرؤيا

Q سمعت من أحد العلماء أن شيخ الإسلام ابن تيمية رأى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: عليك بالاستثناء يا أحمد، وذلك حين أشكل عليه حال الذين يقدمون ليصلي عليهم، فهل يكون أخذ منها حكماً شرعياً؟

صلى الله عليه وسلم ذكر ابن القيم رحمه الله أن ابن تيمية رحمه الله تردد فترة في الجنائز التي تقدم ليصلى عليهم وهو يشك في حالهم، ويظهر له من أحوالهم خلاف الاستقامة، فتردد في ذلك فترة، ثم نام فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال له: عليك بالاستثناء يا أحمد.

والاستثناء المقصود به الدعاء يقول: اللهم إن كان عبدك هذا صالحاً فاغفر له وارحمه وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد إلى آخر الدعاء.

وهذا اجتهاد من الشيخ رحمه الله، وكأنه رأى أن هذا ليس فيه حكم شرعي، رأى أن الرؤيا هذه فيها تنبيه إلى حكم الفاجر، فهي تشبه من بعض الوجوه رؤيا أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي كما في صحيح البخاري جاء إلى ابن عباس فقال له: [[أترى أن أحرم بالحج والعمرة؟! قال: نعم أحرم بالعمرة متمتعاً بها الحج، فجاء إلى بعض الناس فنهوه عن ذلك؛ لأن عمر رضي الله عنه كان ينهى عن التمتع، وكذلك عثمان رضي الله عنه كان ينهى عن متعة الحج، فتابعهم بعض الصحابة ونهوا أبو جمرة عن ذلك، لكنه أطاع ابن عباس وأحرم بالعمرة متمتعاً بها إلى الحج، فلما نام رأى في المنام رجلاً يقول له: حج مبرور وعمرة متقبلة.

فجاء إلى ابن عباس وأخبره بالرؤيا، فقال له: هديت إلى سنة نبيك! وفرح ابن عباس بالرؤيا، وقال له: أقم عندي حتى أقسم لك من مالي، وأجعلك كأحد أولادي، فأقام عنده وأخذ عنه العلم، وكان يترجم بينه وبين الناس]] .

يحمل كلام ابن تيمية رحمه الله أنه رأى أن هذه الرؤيا ليس فيها حكم شرعي، وإنما كأنها نبهته إلى حكم ظاهر له، خفي عليه ثم انتبه له.

وإن هذا تفسير لفعله، كان بالنسبة لغيره لا يعتبر هذا دليلاً شرعياً، ولا يجوز للإنسان أن يستثني في الدعاء، بل الراجح أن الإنسان إذا ظهر من حاله أنه مسلم، يؤخذ بظاهره ويدعى له، فإن عرفت بأن هذا الشخص كافر حرم عليك أن تدعو له وإذا شككت في حاله، وعرفت منه أنه فاسق مظهر للفسق كالذين يتركون الصلاة مع الجماعة، ويصرون على تركها أو يؤذون المؤمنين أو يتعاطون الربا عياناً ويحاربون الله ورسوله أو ما أشبه ذلك كالذين يجاهرون بالمعاصي، يغنون مثلاً ينشرون الفساد والفاحشة بين المؤمنين أو تسلطوا على المسلمين وآذوهم في أنفسهم وأموالهم وأرزاقهم، وما أشبه ذلك.

فمثل هذا أرى أن الأفضل من العالم إذا قدم مثل هؤلاء للصلاة أن ينصرف ولا يصلي عليه، ردعاً لغيره وتعزيراً لغيره من الناس، وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل هكذا بعض أصحابه، فالرسول عليه السلام كان إذا قدم إليه رجل عليه دين، قال: صلوا على صاحبكم وتركه، وكذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على الغال الذي غل المتاع، وكذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على قاتل نفسه، كما ورد في صحيح مسلم ولم يصلِّ عليه مع أنه ليس بكافر، فأخذ من هذا أهل العلم أن الإنسان المجاهر بالفسق والمصر على ذنوبه أن الأفضل إذا كانت الظروف مناسبة له وليس هناك فتنة أو ضرر ظاهر أن يبتعد العلماء المرموقون عن الصلاة عليه؛ حتى يكون بذلك زجر وردع له لمن كان على مثل شاكلته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015