Q ذكرت في معرض الحديث أن رجلاً أتى إلى أحد الصالحين، فقال: إني رأيت أني أؤذن، ففسرها الرجل أنك تسرق، وفسرها للرجل الآخر أنه يحج، فما الفرق بين الرجلين من حيث رؤياهما؟ وما التوفيق بينهما؟
صلى الله عليه وسلم أن الرجل الأول الذي قال له: تسرق ظهر للمعبر من حاله وهيئته أنه رجل أقرب إلى الفسق وخفة اليد، فدل هذا أنه سارق، ولذلك من أصول تعبير الرؤيا أن يكون العابر عنده معرفة بحال الشخص إما ظاهره أو باطنه.
وأما الآخر فكأن الرجل كان عليه سيماء الصلاح، فرأى أن أذانه يعني الحج {وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم -كما في حديث ابن عباس وهو حديث صحيح- قال: يا رسول الله! إني رأيت كأن ظلة في السماء تنطف السمن والعسل، والناس تحتها يتوكفون ويأخذون منها، فمقل ومستكثر، ورأيتُ حبلاً موصولاً بين السماء والأرض، فأخذت به يا رسول الله فرفعت، ثم أخذ به بعدك رجل آخر فرفع، ثم أخذ به رجل ثالث فرفع، ثم أخذ به رجل فرفع ثم انقطع، ثم وصل له ثم رفع، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! دعني أعبر هذه الرؤيا - يريد أبو بكر أن يتعلم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونعم المعلم! ونعم المتعلم! فقال: أما الظلة التي في السماء فهي ما آتانا الله به من الخير.
أما السمن والعسل الذي تمطره وينزل منها فهو الوحي والقرآن الذي أكرمنا الله به، وأما كون الناس يأخذون منها فمقل ومستكثر فهؤلاء الناس يأخذون بقدر أوعيتهم وبقدر ما معهم من الدين والعلم، وأما الحبل الذي بين السماء والأرض فهو الحق الذي بعثك الله به، تأخذ به أنت فتعلو، ثم يأخذ به رجل بعدك فيعلو، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو، ثم يأخذ به رجل فينقطع ثم يُوصل له فيعلو، فقال: أبو بكر بأبي أنت وأمي يا رسول الله! أخبرني أصبت أم أخطأت؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً، فقال: والله يا رسول الله لتخبرنني ما أخطأت؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقسم} .
وترك الرسول عليه الصلاة والسلام هذه الرؤيا دون أن يعبرها أو يفسرها أو يبين الخطأ من الصواب، وهذا دليل أن الإنسان إذا عبر الرؤيا باجتهاد، وكان أهلاً لذلك من حيث العلم بالشرع والعلم بأحوال الناس، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر وهو مجتهد، كما فعل أبو بكر.