جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو متفق عليه: {الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة} جاء هذا المعنى عن أنس بن مالك، وعن عبادة بن الصامت، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم، وأحاديثهم ثلاثتهم كلها متفق عليها، {الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة} وجاءت في صحيح مسلم عن ابن عمر: {الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءاً من النبوة} .
وجاء في بعض الألفاظ: {جزء من خمسة وأربعين} وكذلك {تسعة وأربعين} و {خمسين} .
وقد ذكر الحافظ العراقي في طرح التثريب، أنه ورد في هذا الحديث ثمان روايات أكثرها سبعون، وأقل عدد فيها ستة وعشرون وما بين ذلك ست روايات، والأكثر من الرواة على أن العدد ستة وأربعون.
فإن ذهبنا مذهب الترجيح رجحنا رواية ستة وأربعين، وإن ذهبنا مذهب التوثيق وهو أولى؛ لأن هناك روايات صحيحة لا نطعن فيها كما ذكر ابن عبد البر وغيره، منها رواية مسلم عن ابن عمر فإنه قال: {الرؤيا الصالحة جزءٌ من سبعين جزءاً من النبوة} فإننا نقول: إنها تتفاوت بحسب الرائي وبحسب الحال.
هناك رؤيا الإنسان الصالح المستقيم العابد العالم الصدوق، هذه تكون جزءاً من ستة وأربعين، وربما تكون جزءاً من ستة وعشرين، أما الإنسان المخلط -أمثالنا- ممن خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً أو المقصر هو المستور، فقد تكون رؤياه جزءاً من خمسين أو ستين أو سبعين جزءاً من النبوة.
وقال بعضهم: إنه ليس المقصود العدد، وإنما المقصود الإشارة إلى أن الرؤيا يطلع الإنسان فيها على ما غيب الله عنه، فهي من هذا الوجه تشبه النبوة في بعض أجزائها، وعلى كل حال فإنه لم يقل إنها من الرسالة، إشارة إلى أن الرؤيا لا يعتمد عليها في التشريع كما سبق أن أكدته في الدرس الماضي.
النبوة: هي العلم بغيب من غيب الله تعالى.
النبي:- هو من أوحي إليه وأخبر بغيب، والوحي نفسه غيب، فهذا معنى قوله: {جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة} .
فقد تكلم العلماء وأطالوا في هذا الحديث في كلام لا أرى تحته طائلاً، وخلاصته أن يقال كما قال بعضهم: إن هذا من الأمور التي قد يعلمها العلماء إجمالاً لا تفصيلاً، فإن هناك أموراً يعلمها العلماء جملة وتفصيلاً، كأمور الشرائع، وهناك أمور لا يعلمها العلماء مطلقاً، وهناك أمور يعلمونها جملة ولا يعلمونها تفصيلاً، وهذا الحديث منها، فإنه لم يحدث لأحد من أهل العلم أن اطلع على أجزاء النبوة، ثم قاس الرؤيا إليها أو عد هذه الأجزاء جزءاً جزءاً.
فنحن نقول: الرؤيا الصالحة جزء من النبوة، وحسن السمت جزءٌُ من النبوة، والهدي الصالح جزء من النبوة كما ورد ذلك في الحديث، وغير ذلك لا نعلمه بل يعلمه الله.