أيها الإخوة أنحن ندري معنى الأخوة الإيمانية الحقيقية؟! أنحن نألم لآلام إخواننا؟! كلا والله، بل إنني أقول: أي معنى لأخوة نظرية، نقولها بألسنتنا في كثير من الأحيان، وندعي أننا إخوان للمسلمين في كل مكان، وأننا أعداء للكافرين، ثم تجد أن المسلم يصيح ويستغيث ويستنصر، فلا يهب لنصرته ونجدته إخوانه المؤمنون، بل يسارع أعداء الدين من اليهود والنصارى المتربصين؛ ليعطوهم الطعام بيد والضلال باليد الأخرى، إنجيلاً أو توراةً أو كفراً أو إلحاداً أو ما أشبه ذلك.
والله تعالى يقول: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال:72] فهم استنصرونا واستغاثوا بنا واستصرخونا.
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم جوعى وعطشى فما يهتز إنسان ماذا التقاطع في الإسلام بينكم وأنتم يا عباد الله إخوان أيسرك أن تتحول بلاد المسلمين إلى أوكار للنصارى، وأن يعلن المرتدون على المنابر أنه لا حرج على إنسان أن يغير دينه؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول، كما في صحيح البخاري عن ابن عباس {من بدل دينه فاقتلوه} والرب جل وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] ويقول: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38] أيسرك أن ترى أعداء دينك يأخذون فلذات الأكباد من أولاد المسلمين بعشرات الألوف؛ من أجل أن ينصروهم، لا أقول: من أجل أن يتحولوا إلى لادينيين، ولا أقول: من أجل أن يتحولوا إلى نصارى، بل من أجل أن يتحولوا إلى قسس، ودعاة للديانة النصرانية، وقد يكون اسم الواحد منهم جورج أو ميشيل، ولكن اسم أبيه عبد الله، أو محمد أو علي أو صالح، وهذا موجود مع الأسف الشديد.
فالغوث الغوث أيها المؤمنون! واليقظة اليقظة يا أصحاب القلوب! دعونا من مشاكلنا الصغيرة، ودعونا من همومنا الذاتية، ودعونا من قضايانا الخاصة، وهلم نطل على هذا الجسد الإسلامي المثخن بالجراح، وهلم ننظر لهذه الأمة التي عبث بها عدوها، لم يكتف بأخذ أموالها، ولا بإهدار اقتصادها، وقد فعل، ولم يكتف بغزوها عسكرياً، وجعلها تحت مظلة قواته وأجهزته وجنوده وعدده وعُدده، وقد فعل، ولم يكتف بأن يجعل جميع أولي النفوذ والقوة في البلاد، من ربائب الغرب الذين تخرجوا من جامعاته، ورضعوا من ألبانه، وقد فعل، بل أضاف إلى هذا كله، أنه أراد أن يحول أفراد المسلمين، ومستضعفيهم وجهالهم، ونساءهم وأطفالهم إلى دين النصرانية.
إنهم يعدون العدة للحرب العظمى بين الإسلام والكفر، والمعركة الفاصلة، ونحن نعلم علم اليقين، ونشهد بالله أننا نؤمن بذلك، وأن الله تعالى سينصر دينه ويظهر كلمته، وأن أمر الإسلام إلى ارتفاع، وأمر الكفار إلى سفول وأن هؤلاء يكيدون والله تعالى يكيد قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق:15-17] {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30] ولكننا نعلم علم اليقين أيضاً أن الله تعالى ابتلانا بأن نقوم على هذا الدين، وأن ننصر دينه، وأن نعلي كلمته، قال الله عز وجل: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:14-15] .
إنه مما يجرح القلب أن تكون بلاد المسلمين كلأً مباحاً لأعداء الدين، يتدخلون كما شاءوا وينشرون دعوتهم، ويفسدون كما شاءوا، دون حسيب أو رقيب.
لقد تدخل الكفار في بلاد الكفر، ومع ذلك لقنهم الكفار في فيتنام وغيرها دروساً لم ينسوها قط، وظلت محفورة في ذاكرتهم، أما بلاد المسلمين فهي أهون الضحايا، وهم يدخلون مطمئنين يظنون أنهم آمنون، ونحن نقول: إن نصر الله تعالى للمؤمنين آت، وإن الله تعالى سيبعث لدينه جنداً، وإذا تخلينا نحن اختار الله تعالى غيرنا قال الله: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ} [محمد:38] {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} [المائدة:54] من هؤلاء القوم، ليسوا قوماً جبناء ولا بخلاء، ولا قوماً همهم أن يقاتلوا إخوانهم، وأن يتشاغلوا فيما بينهم، كما كانت الجاهلية الأولى.
وأحياناً على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا المهم أن نفتعل معركة ولو مع أقرب قريب، والمؤاخي الحبيب، ولو مع المؤاخي، ولو مع الموافق لك في دعوتك ودينك ومنهجك.
أما أولئك قوم صنف آخر، يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين -ذليل متواضع لأخيه المؤمن- أعزة على الكافرين ذووا قوة وشجاعة وبأس، لكن ليس على إخوانهم، وإنما على الكافرين {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة:54] كل حالة رده.
عاشها المسلمون، جاء الله تعالى بعدها بالنصر على أيدي جند، يصنعهم على عينه، ويختارهم سبحانه، ويوفقهم للبلاء والصبر والجهاد، وتقع على أيديهم الوعود، التي ذكرها الله تعالى في كتابه، وأعلنها الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، فهلم أيها الأخ الحبيب نكون جزءاً من هذه الطائفة، وهذه الفئة التي وعد الله تعالى بها؛ فنجاهد بعلمنا وبعقولنا وأيدينا وأموالنا وألسنتنا وبدعائنا، وبكل ما نستطيع.