فوائد من كتاب العزلة للإمام الخطابي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كنت قد وعدت أنه اعتباراً من هذه الحلقة -إن شاء الله- سوف أبدأ بتقديم بعض الكتب على سبيل انتقاء وانتخاب بعض الفوائد والفرائد، والشوارد التي قد لا يقف عليها الإنسان بسهولة، وذلك أولاً -حتى يستفيد الإنسان من هذه الأشياء، وحتى ينشط إلى قراءة هذه الكتب والاطلاع عليها, وهي فوائد متفرقة ومتناثرة لا يجمعها موضوع ولا عنوان ومن الطبيعي أن تكون إحداها مشرقة والأخرى مغربة، واحدة في الفقه والأخرى في الأصول، والثالثة في التاريخ والرابعة في الأدب، ولكن يربطها رابط عام وهو الفائدة -إن شاء الله-.

والكتاب الذي اخترته هو كتاب العزلة للإمام الحافظ المحدث الأديب اللغوي أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي المولود سنة 317هـ والمتوفى سنة 388هـ، والخطابي له مصنفات كثيرة جداًَ، منها معالم السنن تعليقه على سنن أبي داود، ومنها غريب الحديث، ومنها كتاب الدعاء وغيرها, وهذا الكتاب هو أحد كتبه التي جمع فيها من النقول والنصوص والأشعار، وجمع فيها من الآيات والأحاديث وأقوال العلماء الشيء الكثير حول هذا الموضوع، وهو موضوع العزلة, ومن فوائد هذا الكتاب ومميزاته أنه تعرض لمباحث.

منها: مباحث في موضوع العزلة والخلطة, ومتى تكون العزلة أفضل، ومتى تكون الخلطة أفضل؟ ومنها: الحث على اختيار الجلساء والأصحاب الصالحين.

ومنها: حسن المعاشرة وذكر الصحبة وآدابها، وهو بذلك يذكر قصصاً وطرائف وأخباراً وأشعاراً فيها متعة وفائدة.

ومن مميزات الكتاب: الحديث عن الناس وطبائعهم وما جبلوا عليه إلى غير ذلك، ولكن ينبغي أن يعلم أن هذا الكتاب قد بالغ فيه الإمام الخطابي في الحط من الخلطة والحث على العزلة, حتى قال هو في آخر الكتاب: إني أخشى أن أكون قد بالغت في ذلك أو زدت عليه بما لا ينبغي, ويقول في آخر الكتاب: في باب لزوم القصد -أي: رجع إلى الحديث عن القصد والاعتدال- قال: قد انتهى من الكلام في أمر العزلة، وأوردنا فيها من الأخبار ما خفنا أن نكون قد حسنا معه الجفاء من حيث أردنا الاحتراز منه، وليس إلى هذا جرينا ولا إياه أردنا, فإن الإغراق في كل شيء مذموم وخير الأمور أوسطها, والحسنة بين السيئتين, وقد عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإغراق في عبادة الخالق عز وجل, والحملة على النفس منها ما يؤودها ويكلها, فما ظنك بما دونها من باب التخلق والتكلف, وهذه من أجمل ما في الكتاب فينبغي أن ينتبه لها, لإن منهج الكتاب ليس مرضياً كله في مدح العزلة وذم الخلطة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015