في صفحة [66] ذكر مسألة الصرع، وأنه نوعان: صرع من الأرواح الخبيثة، وصرع من الأخلاط الرديئة، وقال فيما يتعلق بصرع الأرواح: فأئمتهم -أي الأطباء- وعقلاؤهم يعترفون به، ولا يدفعونه؛ ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة فتدافع آثارها.
ثم قال: " وأما جهلة الأطباء وسِقْطهم وسفلتهم، ومن يعتقد بالزندقة فضيلة، فأولئك ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع، وليس معهم إلا الجهل، وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك، والحس والوجود شاهد به، وإحالتهم ذلك على غلبة الأخلاط هو صادق في بعض الأقسام لا في كلها " انتهى كلامه.
وفي هذا رد على ما قاله عدد من المفكرين والكتاب والصحفيين في هذا الوقت من إنكار صرع الجن والشياطين للإنسان! ولعلكم سمعتم ما ذكره الشيخ الطنطاوي في فتاويه وكلامه من إنكار ذلك؛ وما تكلمت عنه جريدة المسلمون في مجموعة من أعدادها، حين قابلت بعض الأطباء، وصرحوا بإنكار إمكانية صرع الجن للإنس.
ولذلك أحب أن أنبه إلى أن الناس في هذه المسألة كما يقال طرفان ووسط! فمن الناس من ينكر هذه القضية بالكلية، ومن ينكر فليس معه إلا الجهل كما ذكر الشيخ؛ لأنه لا يستطيع أن ينكر ذلك.
وكون العلم لا يستطيع أن يثبته، فالعلم لا يزال يحتاج إلى وقت حتى يصل إلى منتهاه بل لن يصل إلى منتهاه أبدا، وكما يقال: عدم العلم بالشيء لا يعني العلم بعدمه، فهذا طرف.
الطرف الآخر: وهم جمهور العوام الذين يبالغون في إثبات هذه الحقيقة، فتجد أن الواحد منهم كلما نزل به مرض قال هذا جن هذا سحر هذا عين، فيبالغون في ذلك وهذا لا ينبغي، فمن المعروف أن أسباب الأمراض كثيرة، والمبالغة في الحكايات والقصص والتهاويل التي يتناقلها الناس لا ينبغي الإفاضة بها، لكن نحن ينبغي أن نؤمن بأن دخول الجن في الإنس ممكنة شرعاً وثابتة واقعاً، وهي من الأمور الحقيقية التي لا يمكن أن يجادل فيها إلا من يجادل في البديهيات؛ لأنها من الأمور التي ترى بالعين وتسمع بالأذن وتحس بالواقع.
وكم من إنسان أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولا يقرأ القرآن؛ فيدخل فيه جني؛ فيقرأ القرآن عن ظهر قلب، وقد يقرأ القرآن كله! هذا يحصل! ومن الناس من يدخل فيه جني فيتكلم بلغات مختلفة وهو لا يعرف شيئاً منها.
وفي ذلك قصص معروفة في المجتمع، وفي أشخاص بأعيانهم، فلا داعي للإفاضة بها، فلابد من التوسط والاعتدال في ذلك.