وفي صفحة [374] ذكر فائدتين أصوليتين:- أولاهما: تقديم المعارض للبراءة الأصلية، أي: إذا وجد عندنا رأيان أو حديثان في مسألة، أحدهما موافق للبراءة الأصلية، أي لأصل الجواز، والآخر معارض للبراءة الأصلية، يقدم المعارض لأنه يدل على النسخ ولذلك قال: " وقد روى مسلم في صحيحه من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب} ولو قُدِّر تعارض القول والفعل هاهنا؛ لوجب تقديم القول، لأن الفعل موافق للبراءة الأصلية والقول ناقل عنها، فيكون رافعاً لحكم البراءة الأصلية، وهذا موافق لقاعدة الأحكام؛ ولو قدم الفعل، لكان رافعاً لموجب القول، والقول رافع لموجب البراءة، ويلزم تغير الحكم مرتين وهو خلاف قاعدة الأحكام " وفي قوله: فيلزم تغير الحكم مرتين، إشارة إلى رأيه -وهو رأي قوي أيضاً- الذي ينكر فيه أن يكون النسخ حصل مرتين، كما يدعيه بعض أهل العلم، في مسائل، من أشهرها: مسألة نكاح المتعة أنه حرم ثم أبيح ثم حرم؛ وقيل مثل ذلك في مسائل غيرها فـ ابن القيم رحمه الله ينكر أن يكون النسخ يقع في مسألة واحدة مرتين، وما ذهب إليه في نظري قوي والله أعلم.