اغتنام فرص القربة والطاعة

وفي صفحة [574] ذكر معاقبة من وأتته الفرصة فأهملها، وهذا الموضع ينبغي أن يقرأ، لما فيه من الحث لنا، قال رحمه الله: ومنها -وهو يتكلم فيما أذكر عن قصة الثلاثة الذين خلفوا؛ وبالمناسبة: فقد ذكر فوائد بديعة -لا أظن أنها توجد في غير هذا الكتاب تستخرج من قصة الثلاثة الذين خلفوا؛ فارجعوا إليها في هذا الموضع- " فقال: ومنها: أن الرجل إذا حضرت له فرصة القربى والطاعة، فالحزم كل الحزم في انتهازها والمبادرة إليها، والعجز في تأخيرها والتسويف بها، ولا سيما إذا لم يثق بقدرته وتمكنه من أسباب تحصيلها، فإن العزائم والهمم سريعة الانتقاض قَلَّما تثبت، والله سبحانه يعاقب من فتح له باباً من الخير، فلم ينتهزه؛ بأن يحول بين قلبه وإرادته، فلا يمكنه بعد من إرادته عقوبة له، فمن لم يستجب لله ورسوله إذا دعاه، حال بينه وبين قلبه وإرادته، فلا يمكنه الاستجابة بعد ذلك، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24] فقد صرح الله بهذا في قوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:110] وقال الله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] وقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة:115] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015