وفي صفحة [143] ذكر رحمه الله مسألة مهمة لطالب العلم وللداعية، وسبق أن ذكرتها تفصيلاً في هذا الموضع؛ لكن أيضاً أقرأ ما ذكر وهي: أن الإنسان ينبغي له أحياناً أن يترك الأولى إلى ما هو أقل منه، رغبة في تأليف القلوب والموافقة، وعدم تفريق الناس.
فيقول رحمه الله لما ذكر إحرام النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أحرم قارناً، ومع ذلك فإنه تمنى أنه كان متمتعاً قال: " ولمن رجح القرآن مع السوق أن يقول: لم يقل هذا لأجل أن الذي فعله مفضول مرجوح؛ بل لأن الصحابة شق عليهم أن يحلوا من إحرامهم مع بقائه هو محرماً، وكان يختار موافقتهم ليفعلوا ما أُمروا به مع انشرح وقبول ومحبة، وقد ينتقل عن الأفضل إلى المفضول، لما فيه من الموافقة وتأليف القلوب، كما قال لـ عائشة: {لولا أن قومك حديثو عهدٍ بجاهلية؛ لنقضت الكعبة وجعلت لها بابين} فهذا ترك ما هو الأولى لأجل الموافقة والتأليف، فصار هذا هو الأولى في هذه الحال " أي أن المفضول يصبح هو الفاضل إذا كان فيه جمع للكلمة وتأليف للقلوب والموافقة، وتحصيل مصالح أخرى.
ثم قال: " فكذلك اختياره للمتعة بلا هدي، وفي هذا جمع بين ما فعله وبين ما وده وتمناه ".