وفي صفحة [420] ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: {فإن عليك السلام، تحية الموتى} فقال: " كان هدية في ابتداء السلام أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، وكان يكره أن يقول المبتدئ: عليك السلام " أي عليك السلام هذا يقوله الذي يرد، أما المبتدئ فيقول: السلام عليك ثم قال: " قال أبو جري الهجيمي: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت عليك السلام يا رسول الله، فقال: {لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الموتى} حديث صحيح، وقد أشكل هذا الحديث على طائفة، وظنوه معارضاً لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، في السلام على الأموات بلفظ السلام عليكم، بتقديم السلام " يعني: كأنهم فهموا من قوله: " عليك السلام " أن الميت يقال له: عليك السلام " فظنوا أن قوله: فإن عليك السلام تحية الموتى " إخبار عن المشروع، وغلطوا في ذلك غلطاً أوجب لهم ظن التعارض، وإنما معنى قوله: {فإن عليك السلام تحية الموتى} إخبار عن الواقع، لا عن المشروع، أي إن الشعراء وغيرهم يحيون الموتى بهذه اللفظة، كقول قائلهم: عليك سلام الله قيس بن عاصمٍ ورحمته ما شاء أن يترحما فما كان قيس هُلْكُهُ هُلْك واحدٍ ولكنه بنيانُ قوم تهدَّمَا فكره النبي صلى عليه وسلم أن يحيَّى بتحية الأموات، ومن كراهته لذلك؛ لم يرد على المسلم بها " ومثل ما ذكر المصنف هاهنا، قول الشاعر يرثي أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه.
عليك سلام من أمير وباركت يد الله في هذا الأديم الممزقِ فمن يسعَ أو يركب جناحي نعامة ليدرك ما أدركت في الأرض يسبق فخاطبه بقوله عليه السلام.