مراتب الوحي

وفي صفحة [78] ذكر مراتب الوحي السبع أو الثمان، يقول رحمه الله: " وكمل الله له -أي: النبي صلى الله عليه وسلم- من مراتب الوحي مراتب عديدة.

إحداها: الرؤيا الصادقة، وكانت مبدأ وحيه صلى الله عليه وسلم، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وقد ذكر في غير هذا الموضع معنى قوله صلى الله عليه وسلم: {الرؤيا الصادقة جزءاً من ستة وأربعين جزءاً من النبوة} وفسره تفسيراً لطيفاً بديعاً فقال: " ذلك لأن مدة الرؤيا الصادقة كانت ستة أشهر، ومدة الوحي كله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثلاثة وعشرين عاماً، فإذا نسبنا ستة أشهر إلى ثلاثة وسبعين عاماً، ترتب على ذلك أن النسبة واحد إلى ستة وأربعين، يعني: نصف إلى ثلاثة وعشرين".

إذاً: المرتبة الأولى: الرؤيا الصادقة.

المرتبة الثانية: ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن روح القدس نفث في روعي، أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء طلب الرزق، على أن تطلبوه بمعصية الله، فإنما عند الله لا ينال إلا بطاعته} .

المرتبة الثالثة: أنه صلى الله عليه وسلم، كان يتمثل له الملك رجلاً، فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول له، وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحياناً.

المرتبة الرابعة: أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس، وكان أشده عليه، فيتلبس به الملك، حتى إن جبينه ليتفصد عرقاً في اليوم الشديد البرد، وحتى إن راحلته لتبرك به إلى الأرض إذا كان راكبها، ولقد جاءه الوحي مرة كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت، فثقلت عليه حتى كادت ترضها.

المرتبة الخامسة: أنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها، فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه، وهذا وقع له مرتين كما ذكره الله في سورة النجم.

فالمرة الأولى: كما في صحيح مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لم أره على صورته التي خلق عليها إلا هاتين المرتين، رأيته منهبطاً من السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض} والثانية: عند المعراج.

ولكن -والله أعلم- أن عدها من مراتب الوحي؛ لأن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، وتنزل الملك على الرسول صلى الله عليه وسلم مع نبوته، كلما رآه كان في ذلك فائدة، ولذلك طلب الرسول عليه الصلاة والسلام، أن يراه على صورته التي خلق عليها.

المرتبة السادسة: ما أوحاه الله إليه وهو فوق السماوات ليلة المعراج من فرض الصلوات وغيرها.

المرتبة السابعة: كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك؛ كما كلم الله موسى بن عمران، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعاً بنص القرآن، وثبوتها لنبينا صلى الله عليه وسلم هو في حديث الإسراء.

وقد زاد بعضهم مرتبة ثامنة، وهي تكليم الله له كفاحاً من غير حجاب، وهذا على مذهب من يقول: إنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه تبارك وتعالى، وهي مسألة خلاف بين السلف والخلف، وإن كان جمهور الصحابة بل كلهم مع عائشة، كما حكاه عثمان بن سعيد الدارمي إجماعاً للصحابة.

يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015