وفي صفحة [49] ذكر فائدة ليست بعيدة عن الموضوع الذي نتحدث فيه الآن، وهو يتحدث عن خواص القبلة، فقال: " ومن خواصها أيضاً أنه يحرم استقبالها واستدبارها عند قضاء الحاجة دون سائر بقاع الأرض وأصح المذاهب في هذه المسألة: أنه لا فرق في ذلك بين الفضاء والبنيان، لبضعة عشر دليلاً قد ذكرت في غير هذا الموضع، وليس مع المفرق -أي: بين الفضاء والبنيان- ما يقاومها البتة، مع تناقضهم في مقدار الفضاء والبنيان، وليس هذا موضع استيفاء الحجج من الطرفين".
فتلاحظون تركيز الإمام بن القيم هاهنا على عدم التفريق بين الفضاء والبنيان، وهو قوي ألا يفرق بينهما، لكن! هل نقول بالتحريم فيهما؟ ابن القيم وابن تيمية كما في الاختيارات وغيره، وابن حزم والشوكاني وغيرهم، يرون التحريم مطلقاً كما أسلفت، وقد ذكر المصنف أنه رد التفريق بينهما، ببضع عشر دليلاً ذكرت في غير هذا الموضع، وهو رحمه الله تكلم عن هذه المسألة، أي: مسألة استقبال القبلة واستدبارها في عدة مواضع، فتكلم عنها في الجزء الثاني من زاد المعاد وتكلم عنها في مدارج السالكين في الجزء الثاني أيضاً، وتكلم عنها في مواضع من كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين، وتكلم عنها أيضاً في تهذيب سنن أبي داود، وقد راجعت المواضع التي تمكنت من الرجوع إليها، فلم أجد هذه الأدلة التي ذكرها، وإن كان بسط الكلام بعض البسط، في الجزء الثاني من زاد المعاد وكذلك بسطه بعض البسط في تهذيب سنن أبي داود.