وفي الصفحة [168] ذكر أنواع المشي، وذكر في ذلك فصلاً مفيداً أذكره واقرؤه، لأننا بحاجة إلى أن نعرف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في المشي فكثير من الناس يرون أن من الاتباع: البطء في المشي والتماوت فيه، وأن الإسراع ينافي الوقار المطلوب لطالب العلم، قال رحمه الله: ((فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في مشيه وحده ومع أصحابه)) كان إذا مشى تكفأ تكفؤاً، وكان أسرع الناس مشية، وأحسنها وأسكنها، قال أبو هريرة: [[ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحداً أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كأنما الأرض تطوى له، إننا لنجهد أنفسنا، وإنه لغير مكترث]] وقال علي بن أبي طالب رضى الله عنه: [[كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا مشى تكفأ تكفؤاً، كأنما ينحط من صبب، وقال مرة إذا مشى تقلع]] قلت -القائل ابن القيم - والتقلع: الارتفاع من الأرض بجملته، كحال المنحط من صبب، وهي مشية أولي العزم والهمة والشجاعة، وهي أعدل المشيات وأروحها للأعضاء، وأبعدها من مشية الهوج والمهانة والتماوت، فإن الماشي إما أن يتماوت في مشيه، ويمشي قطعة واحدة -كأنه خشبة محمولة، وهي مشية مذمومة قبيحة، وإما أن يمشي بانزعاج واضطراب مشي الجمل الأهوج، وهي مشية مذمومة أيضاًَ، وهي دالة على خفة عقل صاحبها، ولا سيما إذا كان يكثر الالتفات في حال مشيه يميناً وشمالاً، وإما أن يمشي هوناً وهي مشية عباد الرحمان، كما وصفهم بها في كتاب فقال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:63] قال غير واحد من السلف: بسكينة ووقار، من غير تكبر ولا تماوت، وهي مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه مع هذه المشية، كان كأنما ينحط من صبب، وكأنما الأرض تطوى له، حتى كان الماشي معه يجهد نفسه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم غير مكترث، وهذا يدل على أمرين: أن مشيته لم تكن مشية بتماوت ولا بمهانة، بل مشية من أعدل المشيات.
ثم ذكر المصنف رحمه الله أنواع المشيات، وهي عشر، من شاء أن يراجعها فليراجعها، لكن نذكر عناوينها الرابع: السعي، والخامس: الرمل، ويسمى الخبب، والسادس: النسلان، والسابع: الخَوْزَلى، والثامن القهقري، والتاسع الجَمَزَى، والعاشر: التبختر.