القنوت في صلاة الفجر

وفي صفحة [274/275] ذكر رحمه الله، كلاماً جيداً، لم أره لغيره من أهل العلم، فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في صلاة الفجر، قال: " ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، ثم تركه، فأحب أبو هريرة أن يعلمهم أن مثل هذا القنوت سنة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله، وهذا رد على أهل الكوفة الذين يكرهون القنوت في الفجر مطلقاً عند النوازل وغيرها ويقولون: هو منسوخ، وفعله بدعة فأهل الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه عند النوازل وغيرها -يعني: كالشافعية- وهم أسعد بالحديث من الطائفتين؛ فإنهم يقنتون حيث قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتركونه حيث تركه، فيقتدون به في فعله وتركه، ويقولون: فعله سنة وتركه سنة، ومع هذا فلا ينكرون على من داوم عليه، ولا يكرهون فعله، ولا يرونه بدعة، ولا فاعله مخالفاً للسنة " وإن كان في هذا نظر؛ لأنه صح عند النسائي وغيره من حديث سعد بن طارق {أنه سأل أباه عن القنوت وقال: إنك صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، فهل رأيتهم يقنتون؟ قال: أي بني محدث، وفي لفظ: بدعة} فدل على أن المداومة على القنوت في الفرائض ليس بمشروع، بل هو أقرب إلى أن يكون مكروهاً أو بدعة، ثم قال المصنف رحمه الله: " بل من قنت فقد أحسن، ومن ترك فقد أحسن، وركن الاعتدال -أي: من الركوع- محل الدعاء والثناء، وقد جمعهما النبي صلى الله عليه وسلم فيه، ودعاء القنوت؛ دعاء وثناء، فهو أولى بهذا المحل، وإذا جهر الإمام به أحيانا ليعلم المأمومين فلا بأس بذلك، فقد جهر عمر بالاستفتاح ليعلم المأمومين؛ وجهر ابن عباس بالفاتحة في صلاة الجنازة ليعلمهم أنها سنة، ومن هذا أيضاً جهر الإمام بالتأمين وهذا من الاختلاف المباح الذي لا يعنف فيه من فعله، ولا من تركه، وهذا كرفع اليدين في الصلاة وتركه، وكالخلاف في أنواع التشهدات وأنواع الأذان والإقامة النسك من الإفراد والقرآن والتمتع وليس مقصودنا إلا ذكر هديه صلى الله عليه وسلم الذي كان يفعله هو؛ فإنه قِبلةُ القصد، وإليه والتوجَّه في هذا الكتاب، وعليه مدار التفتيش والطلب.

وهذا شيء، والجائز الذي لا ينكر فعله وتركه شيء، فنحن لم نتعرض في هذا الكتاب لما يجوز، ولما لا يجوز؛ وإنما مقصودنا فيه هدي النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر ما قال " وأذكر أنه ضمن كلامه أشار إلى أن القنوت الذي ورد من حديث أنس وغيره: {أنه لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا} ليس معناه القنوت عند الفقهاء -بمعنى رفع اليدين وإطالة الدعاء- وإنما مقصوده: إطالة الركن بعد الركوع، أي أنه يطيل القيام بعد الركوع؛ ولذلك جاء في الصحيحين من حديث أنس: {أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع؛ وقف حتى يقول القائل قد نسي} لأن الناس كانوا يخففون هذا الركن، فأحب أن يخبرهم أن السنة إطالته، فهذا هو المقصود بقنوته صلى الله عليه وسلم حتى فارق الدنيا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015