Q نرى البعض يحاول الإصلاح عندما يخوض في البيئة المعادية للإسلاميين، ثم يتشرب فتنهم فيذوب فيهم، فما هو العلاج؟
صلى الله عليه وسلم الإنسان ينبغي أن ينظر إلى نفسه، أول سؤال تسأل نفسك: ما هي البيئة التي أستطيع أن أدعو فيها؟ فأحياناً بعض الناس وهبه الله سبحانه وتعالى صلابة وقوة في شخصيته، عنده قوة في عقله وقلبه، ومقاومة ضد الشبهات بإذن الله تعالى، وصمود أمام المغريات والشهوات، فهذا لا يمنع أن يهجم على بعض المجالس ويتحدث، ويجادلهم ويناظرهم ويدعوهم إلى الله تعالى، ولا نقول: إنه آمن، فليس هناك أمن من الانحراف، لكنه مطمئن إن شاء الله إلى نفسه، وما وهبه الله تعالى.
هناك إنسان آخر يشعر من نفسه بالضعف الشديد، بحيث أنه إذا جلس في تلك المجالس وخالط أولئك القوم؛ وجد من نفسه أنه تأثر، حتى أنه -أحياناً- قد يكون قاب قوسين أو أدنى من الفاحشة والرذيلة، وأحياناً يسمع الشبهة؛ فترن في ذهنه أسبوعاً أو أسبوعين، وتنغص عليه حياته وعبادته، فمثل هذا نقول له: انج بنفسك، اترك هذه المجالس وهذه المجتمعات، واحصر دعوتك في الناس الذين ليس لديهم شبهات ولا شهوات، لكنهم ضعفاء يحتاجون إلى تقوية، ودعم، وتشجيع، وما أشبه ذلك.
هناك شخصٌ ثالث عنده بعض القوة، لكن قد يشعر -أحياناً- بتأثر، فهذا أرى أن الأصل أن يندفع في الدعوة إلى الله تعالى؛ لأنه يقل أن يوجد إنسان إلا ويتأثر، حتى الدعاة الكبار إذا سمعوا الشبهات لا تتشربها قلوبهم، لكن لا شك أن سماع الإنسان للشبهة ثم رده عليها؛ يورث قلبه نوعاً من الجفاء، فليس الذي يجلس ليناظر المنحرفين مثل ذلك الشخص الذي يجلس ليتعبد ويذكر الله تعالى ويبكي ويخشع ويسجد، بينهما فرق كبير.
بل إن الذي يقاتل العدو في المعركة، ليس في إشراق قلبه وشفافية روحه، مثل ذلك الشخص المتعبد في محرابه، فبينهما فرق، لكن قد يكون أجر هذا أعظم من أجر هذا، وإن كان قلبه أصابه نوع من الجفاف، فهذا الداعية ينبغي أن ينتبه لهذا.
فليس المقياس هو مجرد إشراق القلب وسعادة النفس، قد أجلس في مجتمع أعاني وأشعر بجفاف في قلبي، لكنني أحس بأنني على ثغرة، لو تركتها لأتي الإسلام من قبلها، فأنا أجلس مع هؤلاء القوم، وأدعوهم وأنصحهم، على رغم أني أحس بأن قلبي قد يكون فيه نوع من الانقباض، ولو كنت جالساً للتعبد وقراءة القرآن؛ لكان قلبي أكثر إشراقاً، لكن الفائدة أقل، فهذا نفعٌ متعدٍّ وذاك نفعٌ لازم، والنفع المتعدي -عند التعارض- يقدم على النفع اللازم، مع أن الإنسان ينبغي أن يجمع بينهما، فتجعل لنفسك أوقاتاً تخصصها للعبادة والذكر وترقيق القلب؛ لئلا تصاب بقسوة القلب وهو داء الأمم السابقة.