الصراع بين الحق والباطل سنة ماضية

أيها الإخوة: موضوع المدارسة في هذه الليلة كما سمعتم هو: أساليب خصوم الإسلام في ضرب الدعوة الإسلامية.

وقد اعترض في العنوان على كلمة: المعاصرة؛ لأن الأساليب في حقيقتها لا تختلف، فالأساليب التي كان يستخدمها فرعون لحرب موسى، هي الأساليب التي استخدمها النمرود لحرب إبراهيم، وهي التي استخدمتها قريش لحرب محمد صلى الله عليه وسلم، وهي الأساليب التي تستخدمها الجاهلية في كل زمان ومكان؛ لحرب الإسلام والدعوة الإسلامية.

إخوتي الأكارم، إن الذي يستمع إلى مثل هذا الحديث، يفترض -بادئ ذي بدء- أن عنده تسليماً مطلقاً لا يقبل الشك، في قضية الصراع بين الحق والباطل.

إذاً: من البدهيات التي يجب أن نوقن بها يقيناً كاملاً: أن الحق والباطل منذ وجد الإنسان في صراع دائم لا ينتهي، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، صراع يبدأ بالدعوة إلى الحق، وانقسام الناس إلى مؤمنٍ وكافر، كما قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} [النمل:45] .

إذاً: يترتب على الدعوة إلى الله انقسام الناس إلى فريقين: مؤمن وكافر، لا تنتهي القضية عند حد مجرد اختيار الإنسان للهدى أو للضلال، للإيمان أو للكفر، كلا! بل تنتقل إلى مسألة الصراع والخصام، ولذلك قال: {فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} [النمل:45] الخصام بكل وسيلة، بالصراع العقائدي، واللسان والإعلام والبيان، وبكل وسيلة ممكنة، ولذلك يقول الله عز وجل أيضاً: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام:112] .

إذاً: هناك صراع بالقول واللسان والحجة والبيان، وغير ذلك من الأساليب، بين جند الله وجند الشيطان، حتى الرسل والأنبياء جعل الله تعالى لهم أعداءً، بل إن الله تعالى عبَّر عن الكافرين بأنهم أعداء الله سبحانه، فقال تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:98] فالكافر عدوٌ لله تعالى، كما أن الله تعالى عدوٌ له، وهذا الزخرف اللفظي والبهرج الإعلامي، الذي يستخدمه الضالون، يغتر به من لم يرد الله تعالى هدايتهم بل أراد فتنتهم، ولذلك قال في الآية السابقة: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ} [الأنعام:113] أي هذا الزخرف وهذا الخداع والتضليل الإعلامي الذي يسلكه أعداء الإسلام: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام:113] بعد ذلك ينتقل الصراع إلى مرحلته الثالثة والأخيرة، وهي الحرب الصريحة بين الإسلام والكفر، وهذا ظاهر جداً، كما في قوله تعالى -حين ذكر عن فرعون أنه كان يهدد موسى وبنى إسرائيل بقوله- {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف:127] هذه هي نهاية الصراع، أنه يتحول إلى صراع عسكري مسلح دامي، والعاقبة للمتقين في الدنيا وفي الآخرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015