إنكَ وأنتَ صائم في نهار رمضان تشعر بأنك متلبس بعبادة، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وأنتَ نائم فأنت في عبادة، وحين تنشغل فأنت في عبادة، وحين تبيع فأنت في عبادة، وهذا من أسرارِ الصيام وخواصِّه، فالمصلي -مثلاً- هو في عبادة أثناء الصلاة، لا يشتغل بغيرها، ثم يُقْبل على ما سواها، أما الصائم فهو في عبادة في كل أحواله، يتقلب على فراشه وهو صائم، يشتغل بدنياه وهو صائم، يدرِّس وهو صائم، يعمل في وظيفته وهو صائم، يعمل في حقله وهو صائم، يكتب وهو صائم، يقرأ وهو صائم، فعبادة الصيام لا تنفك عنه ولا ينفك عنها، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
أفَيَجْدُر بشخص متلبس بعبادة أن يعصي الله -عزَّ وجلَّ- وهو في حال العبادة، فيقولَ زوراً، أو يَشهدَ زوراً، أو يَكذب، أو يَغِش، أو يَحلفَ يميناً كاذبة، أو يَحقد، أو يَحسد، أو يَظلم، أو يفتري، أو يترك ما أوجب الله، أو يفعل ما حرَّم الله، إن ذلك لَعَيْبٌ، وإذا فعل هذا وهو صائم فأولى به أن يفعله في حال الفطر، ولذلك كان الصيام فرصة لتصحيح الأحوال، والتوبة إلى الله عزَّ وجلَّ، وذلك لأنه يغير حياة الإنسان، ويقلب الروتين المألوف عنده، فهو فرصة لإعادة ترتيب الأوضاع، والتوبة إلى الله عزَّ وجلَّ، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه ابن خزيمة، وابن حبان في: صحيحهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه: {أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فقال: آمين آمين آمين، قالوا: يا رسول الله، قلت: آمين ثلاثاً، قال: نعم، إن جبريل أتاني آنفاً فقال: مَن أدْرَكَ رمضان، فلم يُغْفَر له؛ فأبعده الله، قل: آمين.
قلتُ: آمين.
قال: مَن أدْرَك أبَوَيه أو أحدهما عند الكِبَر، فلم يَدْخَل الجنة؛ فأبعده الله.
قل: آمين.
قلت: آمين.
قال: مَن ذُكِرتَ عنده، فلم يصلِّ عليك؛ فأبعده الله، قل: آمين، قلتُ: آمين} ما بالك بدعوة، إمام الدعوة فيها جبريل، والمؤَمِّن محمد -عليه الصلاة والسلام- أفَيَسُرُّك أن تكون ممن دعا عليهم جبريل، وأمَّن عليهم محمد صلى الله عليه وسلم، بأن يبعدك الله تعالى؟ من أبعده الله، فمن ذا يقربه؟ لا ينفعه أن يقربه المخلوقون، أو يرفعوا شأنه، أو يقيموا له وزناً، إذا أبعده الله عزَّ وجلَّ، من وجد اللهَ تعالى فماذا فقَد؟ ومن أبعده الله فلا ينفعه أن يقربه العالمَون كلهم.