لقد ارتبط في أذهان الكثير من الناس؛ أن اليسر يصحبه شيء من الغفلة والبساطة والوضوح، وأن العالم اليوم يتطلب الذكاء والنبوغ، وبعد النظر وبُعد التخطيط، وغير ذلك من الأشياء التي ربما كانت من أهم الأسباب في تعقيد الأمور، وفقدان الثقة بين الأطراف، فأصبحت أنا أعتقد أنك تخطط ضدي، وأنك تريد أن تمكر بي، وأنك تتآمر علي، ولذلك أتعامل معك بحذر ويقظة، وأفتح أعيني وآذاني، وأحاول أن أعمل ذهني، ماذا أراد بهذه الكلمة؟! وماذا أراد بهذه الخطة؟! وماذا أراد بهذا العمل؟! فلا أكاد أقبل منك شيئاً، إلا وفق معيار دقيق شديد يفتش في الأمور كلها، وأنت -أيضاً- تعاملني بهذه الطريقة، فتظن أن كل ما أقوله لك، أو أنصحك به، أو أقترحه عليك، أو أقدمه لك من المرئيات والخطط والاجتهادات، أنها أمور وراءها ما وراءها، ولهذا تتقبلها أنت بتحفظ وتقول: ربما يكون وراء الأكمة ما وراءها، ولابد من دراسة ولابد من خبراء.
فهناك فقدان الثقة في العالم كله، فقدان الثقة بين الحاكم والمحكوم، وبين الأب وابنه، وبين الزوج وزوجته، وبين المدير أو الرئيس وبين من تحت يده، وبين المدرس والطالب، وبين الدولة والأخرى، وعموماً فقدان الثقة هو من أهم أسباب تعقيد الأمور، فلو أن أمورنا كلها حُلَّت عن طريق اليسر والتيسير والمسامحة، لربما زال من ذلك شيء كثير.